بلغني أيها القارئ السعيد ذو الرأي الرشيد، أنه في أحد العصور الوسطى، وفي إحدى مقاطعات ألمانيا، مقاطعة كانت تُسمى سكسونيا، ابتدعت هذه المقاطعة، المحكومة من قبل الأغنياء النبلاء الذين كانوا يملكون جميع الممتلكات في المقاطعة، وكان عامة الشعب الفقراء يعملون تحت سيطرة ونفوذ الأغنياء، وكان القانون يعاقب اللصوص والمجرمين من كلا الطبقتين: عامة الشعب الفقراء والنبلاء الأغنياء.
والحق يُقال، فكان القانون يعاقب كلا الطبقتين، عامة الشعب والنبلاء، بدون تحيز أو تفرقة، إلا أنه عند تنفيذ العقوبة كان هناك رأي آخر. فقد قامت مجموعة من المُشرِّعين من طبقة النبلاء والأغنياء بوضع قانون خاص يحكم مجتمع ولاية سكسونيا.
فمثلًا، كان ينص قانون سكسونيا على معاقبة أفراد الطبقة الفقيرة من عامة الشعب بتنفيذ عقوبة القاتل بقطع رأسه، أما النبلاء الأغنياء فيتم قطع رأس ظل القاتل بعد وقوفه في الشمس.
عندما يكون الحكم على الفقير من عامة الشعب بالجلد، فإنه يتم تنفيذ الجلد عليه وسط جموع من الناس، أما تنفيذ الحكم بالنسبة لطبقة الأغنياء النبلاء، فيُحضَر المتهم ويقف في الشمس ويُجلَد ظله.
أما من يُحكم عليه بالسجن من طبقة عامة الشعب الفقيرة، فإنه يُسجن تنفيذًا للعقوبة التي يستحقها، أما طبقة النبلاء الأغنياء، فيُسجَن المتهم أمام الناس ثم يخرج من البوابة الخلفية.
المثير للسخرية أن طبقة الأغنياء النبلاء يقفون وكلهم كبرياء وشموخ، ووجوههم يملؤها ابتسامة استهزاء من الطبقة الفقيرة التي تهتف فرحةً بهذا القانون والعدالة الزائفة.
ولأن التاريخ يعيد نفسه، فما يشهده اليوم المجتمع الدولي من مهازل لا يختلف عن قانون سكسونيا في شيء. فمشاهد الكيان تقوم بالذبح العلني وقتل الأطفال وتدمير، وسط صمت مكبَّل بعجز الدول عن التحرك وحماية من ذو الكبرياء الذين وضعوا أنفسهم موضع الإله، فإذا حتى اجتمع العالم على رفض ما يحدث، والإلزام بمحاكمة الفاعل، جاءوا برفع يد، ماحين كل رغبات العالم والشعوب، مُنصّبين أنفسهم آلهة على الكوكب ليختاروا من له حق الحياة ومن لا قيمة لحياته.
فإن كان المقتول ذو بشرة بيضاء وجنسية أوروبية، انتفض الكوكب لحمايته، أما إذا كان المقتول أي شيء غير هذا، فلا يستحق الدفاع عنه.
مما يضع العالم تحت مرآة الحقيقة:
إلى متى سيظل هذا العجز والخنوع مستمرًّا؟
إلى متى سيستمر قانون سكسونيا في حكم العالم؟
إلى متى سيستمر الكيل بمكيالين في الدفاع عن حقوق الناس في الحياة؟
وإلى متى سيظل القانون الدولي مجرد قرارات لا تملك القدرة على التنفيذ؟
فيقف كعروس ماريونيت لا تملك القدرة على تحريك نفسها، إلا بواسطة المتحكمين فيها: آلهة العالم وأصحاب حق الفيتو، الذين يقررون من يحيا ومن يموت ولا قيمة له.
فتقصف إسرائيل الفلسطينيين وتجوعهم، وتنتهك كل القوانين الدولية والمقدسات والأعراف، وتذبح الإنسانية على مرأى ومسمع من العالم، ولا يستطيع أحد أن يتحرك.
يُقتل أهل السودان وتُغتصب نساؤهم، ويُذبَحون ويُدفنون في مقابر جماعية، ويقف العالم يُشاهد في عجز وخنوع، منكس الرأس ومغلول اليدين.
في المقابل، ينتفض العالم ويقف لحماية المواطن الأوروبي، وكأنه وحده فقط من له حق الحياة، حتى وإن كان معتديًا ومغتصبًا وقاتلًا. أي محاولة لدولة للدفاع عن نفسها من بطشه تُقلب الحقائق فيها، لتُجعلها هجمات ضده، فتُحوّل الشيطان إلى ملاك، والقاتل إلى مجني عليه، برفع يد، وكأنه الوحيد الذي يملك حق الحياة في هذا الكوكب.
وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي ينتهي فيه الحكم بقانون سكسونيا، ويُستبدل فيه بقانون العدل والإنسانية والضمير. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

كل التفاعلات:
٣٧أحمد صبره، ويوسف العوال و٣٥ شخصًا آخر