الرئيسيةمقالات العدلعلي ابو حميدعلي أبوحميد يكتب: السياحة والآثار.. من التكامل إلى التشويه

علي أبوحميد يكتب: السياحة والآثار.. من التكامل إلى التشويه

رغم ما يبدو من منطقية في دمج قطاعي السياحة والآثار داخل وزارة واحدة، تحت شعار “التكامل من أجل التنمية”، فإن الواقع يكشف عن تناقضات صارخة وأضرار جسيمة تطال التراث المصري، بل تهدده بشكل مباشر. فالسياحة بطبيعتها تبحث عن الجذب والربح والتوسع، بينما تتطلب الآثار حسًّا علميًّا صارمًا واعتبارات لا تقبل التنازل، تقوم على الحماية والصيانة والتوثيق.

دمج القطاعين لم ينتج عنه تكامل بقدر ما أدى إلى صراع خفي بين منطق التسويق ومنطق الحماية. وبينما تُنفق الميزانيات على الفعاليات والاحتفالات، تظل مواقع أثرية كثيرة مهددة بالإهمال أو الاستغلال الخاطئ، بل يصل الأمر إلى استباحة قدسيتها وتحويلها إلى مساحات ترفيهية تجارية، تُستخدم بلا أي وعي بقيمتها التاريخية أو الرمزية.

الكارثة تبدأ من العقلية

أخطر ما في الأمر أن هذا التوجه لم يعد مجرد تجاوزات فردية، بل تحول إلى “نهج” مؤسسي، يُبرر انتهاك المواقع الأثرية باسم “الترويج السياحي”. وقد رأينا ذلك واضحًا في تأجير منطقة الأهرامات -رمز الحضارة المصرية- لإقامة حفلات وأحداث تجارية، بل وصل الأمر إلى تأجير ساحتها كقاعة أفراح. هل يعقل أن تتحول أعجوبة العالم القديم إلى مكان للرقص والشواء؟

الأمر لم يتوقف عند الجيزة، بل امتد إلى سقارة، التي تحوّلت بعض مواقعها التاريخية إلى أماكن للاحتفالات والزفاف. وفي قلب القاهرة التاريخية، أصبح جزء من المناطق الإسلامية مؤجرًا كمطاعم، بينما يُعرض البعض الآخر كـ”بوتيك أوتيل” وكافيهات، مثل ما يحدث في وكالة القاضي، وشارع المعز. مثال آخر هو قصر الكسان الأثري في أسيوط، الذي بدأ تجهيزه ليُستغل كمجمع مطاعم وكافيهات.

والأسوأ كان في الأقصر، حيث تم تنظيم حفل شواء داخل معبد هابو، أحد أعظم معابد الدولة الحديثة، والذي ظل لقرون رمزًا للهيبة والقداسة. هذا المشهد وحده يكشف إلى أي مدى وصل الاستهتار، ويطرح سؤالًا صارخًا: من يحمينا من وزارة السياحة والآثار نفسها؟

نقطة أخرى و هي الاجحاف الوظيفي داخل الوزارة الواحدة

لم تقتصر أضرار دمج السياحة والآثار على المواقع الأثرية فقط، بل طالت الكوادر البشرية العاملة في قطاع الآثار، وعلى رأسهم مفتشو الآثار، الذين يُعدّون العمود الفقري لحماية التراث. فمنذ الدمج، تم إصدار لائحة مالية خاصة بالعاملين في قطاع السياحة دون أن تُطبَّق على زملائهم في الآثار، رغم أنهم جميعًا تحت مظلة وزارة واحدة.

والأدهى أن الفارق في الرواتب أصبح يصل إلى أربعة أو خمسة أضعاف، في تجاهل تام للجهود الشاقة التي يبذلها مفتشو الآثار في الحفائر، والمعاينات، والترميم، والمتابعة الميدانية، بينما يُكافَأ آخرون يعملون في المكاتب والترويج فقط.

هذا التمييز المؤسسي لا يخلق فقط بيئة عمل غير عادلة، بل يُضعف روح الانتماء والدافعية لدى من يفترض أنهم حُماة الهوية المصرية. فكيف نطالبهم بالحفاظ على آثارنا بينما نهدر حقوقهم داخل وزارتهم؟

الإدارة بلا خبرة = خطر محقق

الدمج أيضًا أفرز حالة من التداخل الإداري تسببت في تغييب المتخصصين. لم تعد قرارات التعامل مع المواقع الأثرية تُتخذ بناءً على توصيات علماء الآثار أو ترميميين محترفين، بل أصبحت في يد موظفين ينظرون إلى الأثر كأصل قابل للتأجير ومسوقين للمناطق، لا كهوية ينبغي حمايتها.

ما يحدث الآن هو تفكيك بطيء لذاكرة الوطن. الأثر ليس مجرد “مكان قديم” يصلح لأي استخدام، بل هو وثيقة تاريخية حيّة، تُعرّفنا على من نحن، ومن أين جئنا. وكل مرة يُستباح فيها هذا الأثر باسم السياحة، نخسر جزءًا من ذاكرتنا الجمعية.

التكامل الحقيقي ممكن… ولكن بشروط

لا أحد يعارض دعم السياحة أو الترويج لها، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب كرامة التاريخ. ويمكن للسياحة أن تتكامل مع الآثار، بشرط أن تقودها رؤية تحترم الخصوصية التاريخية لكل موقع، وتُشرك المتخصصين، لا أن تسير بمنطق “المقاول والسوق”.

دمج السياحة والآثار كان قرارًا إداريًّا بلا رؤية ثقافية، نتج عنه تدهور أخلاقي في التعامل مع التراث. ما نحتاجه اليوم ليس “إعادة هيكلة” فقط، بل إعادة وعي: بأن الآثار ليست أدوات للعرض، بل مسؤولية أمة. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏تحتوي على النص '‏أقلام عدلاوي ي عدلاوية علي أبوحميد يكتب: السياحة والاثار.. من التكامل إلى التشويه foxo eladlparty.com أمين العضوية المركزي حزب العدل‏'‏‏

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة