عمرو البنا يكتب:
في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء تظل القدرة على الإنتاج هي المعيار الحقيقي لنهضة الأمم واستدامة حضارتها فالأمة التي لا تنتج لا تستطيع أن تحجز لنفسها مكانًا على خريطة التقدم ولا أن تفرض إرادتها و تحقق أحلامها
فالإنتاج هو الحياة و تُبنى به الأوطان وتُصان الكرامة الوطنية ويُكتب المستقبل.
وفي قلب هذا المشهد يقف العامل الذي يحرك عجلة الاقتصاد ويصنع الفارق بين دولة تستهلك ودولة تصنع وتصدر وتبتكر فالعامل ليس مجرد أداة للإنتاج بل شريك أصيل في صياغة هوية الأوطان وبناء مستقبله .
ومنذ فجر التاريخ ارتبط اسم العامل المصري بالإبداع والإتقان فسواعد المصريين شيّدت الأهرامات وصنعت روائع الهندسة والعمارة التي أدهشت العالم وعلى مدار العصور ظل العامل المصري حاضرًا في معارك البناء والتنمية كما كان حاضرًا في معارك النضال الوطني من بناء السد العالي إلى إقامة المصانع والمدن الجديدة ومن المشاركة في ثورات الاستقلال إلى دفع قاطرة النهضة الحديثة
كان العامل المصري رمزًا للإرادة التي لا تنكسر فلم يكن العامل المصري مجرد منفذ للأوامر بل كان دومًا مبدعًا يحمل قيم التفاني والإتقان ما جعل الصناعات اليدوية المصرية من الغزل والنسيج إلى النجارة وصناعة الأثاث والفخار تحصد شهرة عالمية لا تزال قائمة حتى اليوم.
واختيار الأول من مايو عيدًا للعمال عالميًا لم يكن صدفة بل جاء تتويجًا لمعاناة طويلة بدأت في نهايات القرن التاسع عشر حين خرج العمال مطالبين بتحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات بدلًا من الاستغلال المفرط بلا ضمانات
وكانت مدينة شيكاغو الأمريكية مسرحًا لأبرز هذه الأحداث عام 1886 حين اندلعت إضرابات ومظاهرات ضخمة انتهت بما عُرف لاحقًا بـ”أحداث هايماركت” حيث سقط عدد من العمال برصاص الشرطة خلال مسيرتهم السلمية ورغم القمع انتصر المطلب العمالي الرمزي واعترفت به العديد من الدول تدريجيًا
ليصبح الأول من مايو يومًا عالميًا للاحتفال بالعمل والعمال وتكريم تضحياتهم من أجل حياة أكثر عدلًا وإنسانية.
ومع ذلك فإن تكريم العامل لا يجب أن يقتصر على احتفالات رمزية بل يجب أن يمتد إلى سياسات حقيقية تضمن بيئة عمل عادلة ومحفزة وتفتح أمام العمال آفاق التطوير والإبداع
وتعيد الاعتبار للمهن اليدوية والصناعات التقليدية التي طالما تميز بها المصريون
فتحريك عجلة الإنتاج مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمؤسسات والمجتمع
فلا نهضة بلا ورش ومصانع حية ولا تقدم بلا عقول تفكر وأيادٍ تبتكر فكل يد تتقن صناعة وكل عقل يبدع فكرة وكل روح تؤمن بقيمة العمل تسهم في كتابة صفحة جديدة من نهضة الوطن.
وفي عيد العمال نقف جميعًا احترامًا وتقديرًا لأصحاب الياقات الزرقاء أولئك الذين يزرعون كل يوم بذور الأمل والعمل فوق أرض هذا الوطن.
فبجهودهم تُبنى الحضارات وبعرقهم تتحقق الأحلام وبإصرارهم تستمر عجلة الحياة في الدوران.
تحية لكل يدٍ تصنع وعقلٍ يبتكر وقلبٍ ينبض بحب العمل.
وتحية إلى مصر التي كانت وستظل بسواعد أبنائها وعقولهم تصنع مستقبلها بأيديهم وبعزيمتهم.
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل#عيد_العمال
