الرئيسيةمقالات العدلحين تخذل البراءة

حين تخذل البراءة

يتسلل إلينا بين الحين والآخر في زحمة هذه الأيام الصاخبة، وبين طوفان الأخبار المتلاحقة، في وطن يئن تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، أخبار عن جرائم تُرتكب ضد أطفال لا حول لهم ولا قوة، تهز القلوب وتُثير الغضب، ثم ما تلبث أن تُنسى؛ لكن حادثة الطفل “ياسين”، المتهم فيها أحد إداريين المدرسة بهتك عرضه بشكل متكرر داخل مدرسته؛ لم تكن كغيرها.فلقد فجّرت هذه الحادثة صدمة مجتمعية، وأعادت فتح ملف مسكوت عنه؛ ملف انتهاك الأجساد الصغيرة في أماكن يُفترض أن تكون آمنة.

فإننا حين نودع أبناءنا على أبواب المدارس كل صباح، نطمئن أنهم في أيدٍ أمينة، لكن ماذا لو تحولت هذه الأماكن إلى مصائد؟ في ظل غياب الرقابة، وتراخي المعايير، قد يتحول الحمام المدرسي أو غرفة الإدارة إلى مشهد لجريمة لا يُحتمل تخيلها.

قضية “ياسين” لم تكن الأولى، فقد سبقتها حالات كثيرة في مدارس أخرى، حيث وقع الاعتداء في بيئات يفترض أنها مهيأة لحماية الأطفال، ونحن هنا لا نتحدث عن انحراف فردي، بل عن ظاهرة متصاعدة تنخر جسد المجتمع من الداخل.

تلقى خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة في عام 2023 فقط أكثر من 1249 بلاغًا موثقًا بشأن انتهاكات جنسية ضد أطفال، وهو رقم لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، وتشير التقديرات غير الرسمية إلى أن ما بين 60% إلى 80% من هذه الجرائم لا يُبلّغ عنها؛ بسبب الخوف من العار أو فقدان الثقة في العدالة.

وأكد تقرير حقوقي في 2023 أن أكثر من 70% من جرائم هتك العرض تقع ضد أطفال تحت سن 15 عامًا، وغالبا ما تحدث على يد شخص معروف للطفل، سواء كان قريبًا، جارًا، أو موظفًا في بيئة الطفل، والأسوأ أن أكثر من 45% من هذه الانتهاكات تقع في المدارس أو في الطريق إليها.

تفتحت عيون الطفل “ياسين” (5 سنوات) في مدينة البحيرة، على العالم من باب المدرسة، لم يكن يعلم أن المكان الذي قيل له إنه للعلم والأمان، سيصبح مقبرة لطفولته، تعرض لاعتداءات متكررة من موظف داخل المدرسة حسب ما ذكرته أسرته، وفي ظل صمت وتواطؤ الإدارة، هدده المعتدي ومديرته بالصمت.

هذه الجريمة ليست شاذة، بل نموذجية في تكرارها، وإن تغيرت الوجوه والأماكن، في القاهرة، الإسكندرية، المنيا، أسيوط، تتوالى القصص بصياغات مختلفة، ولكن القصة واحدة؛ أطفال يُنتزعون من براءتهم بلا حماية ولا إنصاف.

المشكلة لا تبدأ عند لحظة الاعتداء؛ بل تبدأ حين يُمنع الطفل من معرفة الفرق بين “اللمس الآمن” و”الاعتداء”، حين يُوبخ الطفل لأنه تحدّث عن شيء “عيب”، حين يُقنع الأبوان نفسيهما بأن السكوت أفضل من “الفضيحة”، هذا الصمت المجتمعي هو البيئة المثلى للمتحرشين.

والمسؤول هنا على ذلك الجميع بلا استثناء سواء:

الأهل الذين يربون أبناءهم على الخوف من الكلام لا على الجرأة في البوح.

المدارس: التي توظف موظفين بلا فحص نفسي أو تأهيل مهني حقيقي.

الدولة: التي تغلظ العقوبات في الورق، ولكن تفتقر إلى آليات إنفاذ فعالة وردع مجتمعي.

الإعلام: الذي يلهث وراء الفضائح دون بناء وعي مجتمعي حقيقي.

المجتمع: الذي يُجبر الطفل على السكوت، والضحية على العار.

ورغم تعديل المادة 268 من قانون العقوبات المصري لتغليظ عقوبة هتك العرض، والتي تصل إلى السجن المؤبد في بعض الحالات، إلا أن الإجراءات البطيئة، ونقص الكوادر المؤهلة للتعامل مع الأطفال الضحايا، تجعل من العدالة طريقًا طويلًا مؤلمًا.

يُعرض الطفل الضحية في بعض الحالات على أكثر من 5 جهات تحقيقية، دون توفير دعم نفسي متكامل، ما يضاعف الجرح، هل العدالة تتحقق حين يُسأل الطفل الضحية كما يُسأل الجاني؟

نحتاج إلى خطة شاملة لحماية الأطفال، تبدأ من التثقيف الجنسي المبسط والآمن في المدارس، وصولًا إلى تدريب العاملين في المؤسسات التعليمية على اكتشاف علامات الانتهاك يجب:

فرض الكاميرات في جميع المرافق المدرسية دون استثناء.

إجراء فحص نفسي إلزامي سنويًا للعاملين بالمؤسسات التربوية.

دمج التربية الجنسية الوقائية في المناهج بطريقة تربوية علمية.

تشكيل فرق حماية نفسية وقانونية متحركة في كل محافظة.

فإننا ما زلنا أسرى فكرة أن الحديث عن الاعتداءات الجنسية هو “تشويه للسمعة”، بينما الحقيقة أن السكوت هو الجريمة، حين يصمت المجتمع لا يُحمى الشرف بل يُغتصب مرتين؛ مرة في الجسد، وأخرى في الصمت.

الطفل المصري لا يحتاج فقط إلى طعام وتعليم؛ بل إلى أمان، إلى جسد لا يُنتهك، إلى مساحة آمنة للبوح، إلى دولة تفهم أن حقوق الطفل ليست بندًا في مؤتمر؛ بل شريان حياة.

كل طفل يُغتصب في صمت، هو رسالة فشل من الدولة، من الأسرة، من كل فرد، المعركة هنا ليست فقط ضد مغتصب متخفي، بل ضد مجتمع لا يرى الطفولة إلا حين تُقتل.

كل طفل هو مشروع وطن؛ فإما نحميه، أو ننهار معه، فهل نحن مستعدون لتغيير حقيقي؟ أم سننتظر الجريمة القادمة لنتحسر على ما فات؟ حماية الطفل ليست رفاهية، إنها معركة أمن قومي، وواجب وطني، ووصية إنسانية.

#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏تحتوي على النص '‏أقلام عدلاوية د. فاطمة عادل :تكتب: حين تَخْذَلَّ البراءة foxo eladlparty.com أمين جنوب المنيا بحزب العدل اكحل حزب العدل‏'‏‏

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة