في 2 يناير من عام 1492م قام أبوعبدالله الصغير أخر حاكم عربي لمملكة غرناطة بتسليم المدينة لملوك قشتالة وأراجون معلنا نهاية ثمانية قرون من الحكم الإسلامي لشبه الجزيرة الأيبرية (إسبانيا والبرتغال حاليا)، ورغم أن مصر تقع جغرافيا بعيدا عن تلك البلاد، إلا أن التاريخ قد سجل لنا عددا من عمليات الاحتكاك بين الحضارتين المصرية والأندلسية على مر تاريخها.
ووقعت مصر جغرافيا في قلب طريق الحج بالنسبة للقادمين من شمال أفريقيا والأندلس، فكانت قوافل الحج من تلك المناطق تمر بمصر إلى الأراضي الحجازية ذهابا وعودة، وقبل ذلك كانت سيطرة العرب على مفاصل الحكم في مصر وطرد الرومان منها منذ عهد الصحابي عمرو بن العاص بداية للانطلاق للخلافة الراشدة ومن بعدها الأموية والعباسية للسيطرة على شمال أفريقيا حتى المحيط الأطلسي، ومن ثم عبور مضيق جبل طارق والسيطرة على أيبريا وجنوب فرنسا بكامله قبل فقد السيطرة تدريجيا على تلك المناطق.
وخلال مروره بمصر متخفيا هاربا من العباسيين وهو في طريقه للأندلس تعرف بدر مولى عبدالرحمن الداخل على سيدة مصرية تزوجها فيما بعد، حيث كان بدر بمثابة رئيس وزارء وقائد الجيش لمولاه الأمير الأموي، وفي عهد حكم الحكم بن هشام الأمير الثالث لبني أمية في الأندلس اشتعلت ثورة عنيفة في بلاده عُرفت بثورة الربض، أدت خلال أحداثها لهروب الآلاف خارج البلاد اختار منهم ما يقرب من 15 ألف مدينة الإسكندرية المصرية لتكون مستقرا وملاذا لهم.
إضافة إلى ذلك فقد شبه المصريون والأندلسيون مدنهم ببعضها البعض، حتى قيل أن مدينة الإسكندرية على سبيل المثال يقال لها (إسكندرية يا مارية)، وهي تحريف لاسم لمدينتنا المصرية بمدينة (ألمرية) الإسبانية الحالية، كما أن هناك أندلسيين قد أصبحوا علامات بارزة في تاريخ بلادنا مثل أبو العباس المرسي) من مدينة (مرسية) الإسبانية، و(الإمام الشاطبي) من مدينة شاطبة، الإمام (الطرطوشي) نسبة لمدينة طرطوشة.
استمر التشابك بين الحضارتين حتى عقب نهاية الحكم الإسلامي للأندلدس، ونتيجة لمحاكم التفتيش التي فرضت على المسلمين واليهود في تلك البلاد وعمليات التهجير التي تعرضوا لها فقد اختار كثير منهم اللجوء لمصر خاصة في سواحلها الشمالية نظرا لتشابه المُناخ بينها وبين المدن الأندلسية، وقد أصبحنا نجد التأثير الثقافي الأندلسي المغاربي على كثير من مدن البحر المتوسط في دول شمال أفريقيا تبدأ بكلمة “سيدي” وهو لقب استخدم للتعظيم، ففي مصر نجد سيدي بشر وسيدي غازي وسيدي براني وفي دول أخرى نجد على سبيل المثال سيدي بلعباس وسيدي بوسعيد…إلخ.
وخلال احتضار الحكم المملوكي لمصر، صادف ذلك نهايات الحكم الإسلامي في الأندلس وبدايات محاكم التفتيش الإسبانية والبرتغالية، ورغم تدهور وتراجع الدور المملوكي في العالم القديم وضعف الدولة المصرية، إلا أنه نتيجة لاستغاثات من تبقى من مسلمي الأندلس للحكام المماليك، فقد أرسل المماليك خاصة السلطان قانصوه الغوري رسائل متنوعة لملوك إسبانيا لوقف اضطهاد المسلمين الأندلسيين في دور رمزي لعبته القاهرة آنذاك.
هكذا نجد أن مصر رغم المسافات البعيدة بينها وبين الأندلس فقد جعلتها جغرافيتها قبلة لطريق الحج لأهل المغرب والأندلس الذين مروا بها وتاجروا فيها وتعلموا بها، وكانت كذلك ملجأ وملاذا لهم، وأرض علم لمن أراد العلم منهم، ومدافعة عن المضطهدين والضعفاء حتى في أوقات ضعفها، واستطاعت استيعاب جزء من تلك الحضارة في تاريخها العريق.