إن من كلاسيكيات علوم الحرب والاستراتيجية المقررة في معظم كليات العلوم السياسية حول العالم، كتاب ” عن الحرب ” للجنرال البروسي ” كارل كلاوزفيتز ” .. ومن نصوصه الأكثر اقتباسًا ” أنه لا يمكن اعتبار الحرب انتهت إلا بالوصول إلى تسوية تلقى بعض القبول مع الطرف المغلوب ” وكان يقصد أن الحرب لا تنتهي إلا بإقناع الطرف المغلوب أن التسليم يعد أفضل الخيارات المتاحة، فإن لم يصلوا إلى اتفاق يرضي المغلوب تظل الحرب كامنة فى السلام الوهمي كالبركان يغلي تحت الأرض ينتظر الفرصة ليثور.
وعليه فإن التسوية المطلوبة لتنعم القارة العجوز بالغاز الروسي – الذي يعد مصدر الدفء الأساسي في الشتاء الأوروبي القارص – لن تتم إلا برفع العقوبات عن الاقتصاد الروسي او بوقف دعم أوكرانيا عسكريًا، خياران يمثلان انتحارًا سياسيًا لقادة أوروبا وقمة الإذلال الروسي للدول الأوربية .. وبين شقي الرَّحى تنحصر رفاهية تنوع الحلول السياسية للغرب في مواجهة برد الشتاء او تعطيل المصانع وتوقف عجلة الانتاج وهنا يخرج الحل الوحيد بإنهاء الحرب على اى وضع يسمح للقادة بحفظ ماء الوجه بعد أن عاقبتهم روسيا بعقوباتهم لها !!
لكن كيف تنتهي حرب يطالب فيها الأوكرانيين كل يوم بإمدادات لا تنتهي من السلاح والدعم اللوجستي ؟
مع تهديد الحزب الجمهوري الأمريكي بوقف تسليح أوكرانيا إن استحوذ على أغلبية مجلس النواب الأميركي في انتخابات التجديد النصفي، ودعوات الرئيس الفرنسي ماكرون بوقف دعم أوكرانيا عسكريًا، وضغوط الأمم المتحدة بالتوصل لتسوية بين روسيا وأوكرانيا بواسطة تركية تارة وبوساطة اميركية تارة اخرى وجميع المساعي بين الوعد والوعيد باءت بالفشل .. الجميع يطالب بإنهاء الحرب اما لمصالح شخصية او لما ألحقته بالعالم كله من أزمات اقتصادية وغذائية ونقص في إمدادات الطاقة وبدورها تعطيل سلاسل الإنتاج.
بين الخوف من برد الشتاء والطمع في الغاز الروسي رخيص التكلفة يغفل الساسة الغربيين عن القاعدة السياسية سابقة الذكر للجنرال كارل كلاوزفيتز، فلن تتم أى تسوية بين روسيا والغرب للحرب بالوكالة على الاراضي الاوكرانية حتى يقتنع الشعب الاوكراني ان التسليم والتفاوض مع الروس يعد أحسن الخيارات المتاحة وهذا ما يغفله الساسة الغربيين ويدركه الروس بشدة، فيزداد التمادي الروسي في قصف العاصمة الاوكرانية فيعد كل يوم يمر دون الوصول للتسوية – واقناع الأوكرانيين بقبول التنازل عن ما احتلته روسيا من أراضيهم – مكسب للروس الطامحين باستعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي بوجهه الجديد تحت مسمي الاتحاد الروسي.
باستمرار وتيرة الأحداث دون تغير في المعتقد الاوكراني بالاستسلام او كبح جماح الدب الروسي يعاني أكثر من ثلثي الشعب الأوكراني من انقطاع الكهرباء وتعيد ألمانيا تشغيل محطات تعمل بالفحم بديل للغاز الطبيعي ضاربة عرض الحائط بكل اتفاقيات الحفاظ على المناخ والبيئة ويستعد الشعب الفنلندي بجمع الحطب واخشاب الغابات لقضاء الشتاء الأشد برودة على الإطلاق .. وتظل السياسة والحلول الدبلوماسية هي كلمة السر الغائبة عن الكبرياء الغربي حيث تعجز الحلول العسكرية والقوة الغاشمة عن إكمال ما بدأته.
– القاهرة، في ١ يناير ٢٠٢٣