الرئيسيةمقالات العدلمحمد عطيةمحمد عطية يكتب: هل تحوّل الغاز الإسرائيلي من مورد اقتصادي إلى أداة...

محمد عطية يكتب: هل تحوّل الغاز الإسرائيلي من مورد اقتصادي إلى أداة ضغط سياسي على مصر؟

لم يعد خافيًا أن إسرائيل تستثمر ثروتها الغازية كسلاح سياسي للضغط، لا كورقة تعاون اقتصادي كما يزعم. خبر تعليق نتنياهو لاتفاق تصدير الغاز إلى مصر، والذي نشرته وكالات الأنباء بالاعتماد على يسرائيل هيوم، يكشف أن تل أبيب لا تنظر إلى القاهرة كشريك بل كرهينة تُحكم عبر مفاتيح الطاقة.

فالحديث عن خروقات مصرية في سيناء، بلا أدلة، لا يعدو أن يكون ذريعة سياسية لتجميد صفقة ضخمة بقيمة 35 مليار دولار. كانت الرسالة أعمق من العوامل الأمنية؛ إنها تهدف إلى تذكير مصر بمن هو الطرف الأقوى في معادلة الغاز، وبأن شريان الطاقة يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى أداة خنق.

الأخطر أن الرواية الإسرائيلية، التي نُقلت دون تدقيق كافٍ، تُظهِر مصر وكأنها متسولة للطاقة، بل تلمّح إلى استعدادها لدفع أسعار أعلى من المستهلك الإسرائيلي نفسه. هذه ليست معلومة اقتصادية محايدة، بل رسالة سياسية تهدف إلى الضغط على مصر.

سوابق الضغط الإسرائيلي في ملف الغاز (2020–2025):-

منذ بدء تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر عام 2020، برزت عدة محطات أظهرت كيف تم توظيف الإمدادات أداةً للضغط:

1. 2020 – بداية التصدير: دخول الغاز الإسرائيلي لأول مرة إلى مصر عبر خطوط الأنابيب، وتضاعف الإمدادات لاحقًا حتى 2023 لتتجاوز مليار متر مكعب يوميًا.

2. 2022 – التأجيل بسبب التوتر الأمني: تعطل الضخ لأسابيع بذريعة خلافات حول ترتيبات أمنية في سيناء.

3. 2023 – حرب غزة: خفضت إسرائيل تدفقات الغاز تدريجيًا بحجة الأوضاع الأمنية، ما ضغط على القطاع الصناعي المصري، خاصة الأسمدة.

4. 2024 – ذريعة “الصيانة”: لجأت إسرائيل أكثر من مرة إلى وقف أو تقليص التدفقات بدعوى أعمال فنية في الحقول أو خطوط النقل، وغالبًا ما تزامن ذلك مع أزمات سياسية أو تفاوضية.

5. مايو 2025 – صيانة جديدة: توقف مؤقت للإمدادات بسبب أعمال صيانة معلنة على خطوط التصدير.

6. يونيو 2025 – توقف كامل: إغلاق حقل ليفياثان لمدة ستة أيام بذريعة التوتر الأمني مع إيران، ما أدى إلى شلل صناعي في مصر وإغلاق مصانع الأسمدة وارتفاع واردات الديزل.

7. الضغوط التعاقدية: تضمّنت بعض الاتفاقيات الجديدة، ومنها صفقة أغسطس 2025، بنودًا لربط أسعار الغاز المستورد من إسرائيل بخام برنت وفق صيغة تسعير ثابتة. ورغم أن النسبة الدقيقة لم تُعلن، إلا أن هذا الربط يجعل الأسعار غير مرنة ويُلزم مصر بدفع تكاليف مرتفعة حتى في حال تراجع الأسعار الفورية في الأسواق العالمية، بما يقيّد حرية القاهرة التفاوضية ويضمن لإسرائيل عائدًا مضمونًا.

8. أغسطس 2025 – صفقة الـ35 مليار دولار: توقيع أكبر اتفاق غاز في تاريخ البلدين، رغم أن ما سبقه كان مليئًا بالأزمات، ما يثبت أن إسرائيل توظف الملف كسلاح نفوذ أكثر من كونه تجارة طبيعية.

هذه السوابق تكشف أن الغاز بالنسبة لإسرائيل لم يكن يومًا سلعة اقتصادية بحتة، بل ورقة سياسية لإدارة علاقاتها مع مصر، واستعراض قوتها في لحظات الأزمات.

رغم هذه السوابق، فإن مصر لا تُعاني من غياب البدائل بقدر ما تواجه تحدي الإسراع في تفعيلها. فالمعادلة ليست انعدام خيارات، بل الحاجة إلى تسريع خطوات استراتيجية تضمن استقلالًا أكبر وتقلل من هشاشة الموقف. تمتلك مصر إمكانات محلية كبرى مثل إعادة تطوير حقل ظهر وزيادة الإنتاج الوطني، كما يمكنها الاعتماد على تنويع الواردات من دول صديقة مثل قطر والجزائر والولايات المتحدة. كذلك، تملك القاهرة فرصة لبناء شراكات إقليمية جديدة مع قبرص واليونان في إطار شرق المتوسط، فيما تمثل الطاقة المتجددة على المدى الطويل الطريق الأكثر استدامة نحو تقليل الاعتماد على الغاز.

ولكي تحافظ مصر على مكانتها كفاعل إقليمي مستقل في مجال الطاقة، من المهم أن تتحرك وفق رؤية متكاملة وسريعة. المطلوب هو تنويع مصادر الطاقة عبر صفقات عاجلة مع شركاء إقليميين ودوليين، بالتوازي مع تسريع تطوير الحقول المحلية من خلال ضخ استثمارات عاجلة لتقليص فجوة الاستهلاك. كما ينبغي تعميق التعاون مع شرق المتوسط، لا سيما مع قبرص واليونان، بحيث يصبح جزءًا من الاستراتيجية الوطنية طويلة المدى. وفي المقابل، يتعين إطلاق برنامج وطني متسارع للطاقة المتجددة يركز على التنفيذ خلال خمس سنوات فقط، بدلًا من الاكتفاء برؤى بعيدة الأجل. وأخيرًا، يجب تعظيم دور محطات الإسالة المصرية في دمياط وإدكو، بحيث تتحول إلى ورقة قوة في التوازن الإقليمي، لا مجرد بنية تحتية لتسهيل صادرات الغاز الإسرائيلي.

أثبتت الأحداث أن الغاز يمكن أن يُستخدم كورقة ضغط سياسي، لكن بوسع مصر أن تحوّل هذا التحدي إلى فرصة لبناء سياسة طاقية أكثر تنوعًا واستقلالية. التحرك السريع، والاستثمار الاستراتيجي، وتوسيع الشراكات الإقليمية سيمنح القاهرة القدرة على إعادة رسم المعادلة، لتصبح شريكًا فاعلًا لا طرفًا مقيَّدًا في لعبة الطاقة الإقليمية.

#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة