كرة القدم هى معشوقة الجماهير كبار وصغار، تتكلم كل اللغات وتعرف كل اللهجات، لا تعرف التميز بين جنس ولون ودين، ولا تخضع لعمر، كما يقولون عليها الساحرة المستديرة، ترسم البهجة على الوجوة عندما يفوز فريقك، كما تصنع الحزن عندما يخسر فريقك التى تشجعه، تعلمك الإخلاص، وتقوي داخلك روح الانتماء، حينما تسعى وراء فريقك فى أرضية الملعب أو خلف الشاشات سواء كان نادى تشجعه أو فريق وطنك القومي.
مازلت أتذكر لحظات السعادة عند فوز منتخبنا المصرى فى بطولة أمم أفريقيا، ونحن نطوف فى الشوارع والحارات والميادين نحمل علم مصر ونهتف لمصر مبتهجين بهذا الإنتصار، وكما رسمت الفرحة فى أوقات جميلة رسمت الحزن فى أوقات اخرى عند الخسارة.
وكم كانت رائعة تلك اللحظات السعيدة، ونحن نشاهد بلد عربى لأول مرة ينظم أكبر عرس كروى فى العالم، ونحن نقول لأنفسنا حقا نحن نستطيع أن نكون شركاء حقيقين فى صناعة كرة القدم، وما زاد سعادتنا دعمنا ومساندتنا للفرق العربية المشاركة فى المونديال القطرى حتى اخر لحظاتها،
ولكن الأجمل فى المونديال أنه جمع العرب وراء كل الفرق العربية وأنه يقام على أرض عربية.
وسنخص بالذكر المنتخب القومي المغربي، الذى شرف العرب والكرة العربية بل والأفريقية بوصوله إلى مربع الكبار المربع الذهبى، فى سابقة لم تحدث فى تاريخ المونديال أن وصل اليها فريق عربى أو أفريقى، وأعطانا رسالة أننا قادرون على مناطحة الكبار ومواجهتهم ليس فى كرة القدم بل فى كل شىء من تطور وتكنولوجيا وتقدم.
كان المنتخب المغربى على بعد خطوات قليلة من تحقيق معجزة كبيرة بالوصول إلى النهائى، لولا خطأين ساذجين، ولكنه قدم فى المجمل مبارة رائعة وقوية ومن أجمل مبارياته فى المونديال سيطرة واستحواذ، ولكنها كرة القدم لا تعترف سوى بالأهداف، وخرج المنتخب مرفوع الرأس ووسط إشادة كبيرة من الجميع.
وعلى الدول وخصوصا العربية أن تفهم تلك الرسالة التى أرسلها لنا المنتخب المغربي، إننا قادرون طالما كانت هناك روح قوية، ومثابرة، وعمل، وجهد، وإخلاص، وتخطيط سليم، فالنجاح لا يأتي صدفة إنما تصنعه المثابرة والتفاني والعمل والعرق.
وإننا يجب أن نخرج من دائرة التمثيل المشرف إلى دائرة المجابهة، وعدم التقليل من قدراتنا وامكانياتنا ولا نصنع الأعذار لأنفسنا ونبحث عن حجج واهية.
فهناك أمثلة فردية عديدة صنعت النجومية وحلقت بعيدا فى سماء لعبة كرة القدم وألعاب أخرى، وصنعت أسطورتها المنفردة بنفسها وجدها واجتهادها أمثال محمد صلاح،ورياض محرز، وحكيم زياش وغيرهم أسماء عديدة فردية تواجدوا وسط كبار اللعبة وجعلونا نفتخر بهم ونسعى دائما وراء أخبارهم.
علينا أن نضع مشهد المنتخب المغربى، أمام أعيننا جميعا بعد أن صنع معجزته، وكتب تاريخه الذى لن يمحى من تاريخ قارة أفريقيا كلها أو المنطقة العربية.
إنه منتخب لم يخش الخصوم، ولم يبحث عن مبررات للإخفاق أنه ينافس منتخبات قوية، وإن لاعبيهم كلهم محترفون، بل لعب بخطة وتفانى وطموح ونزل فإستمتاع وخلق المتعة بالأداء وصنع المهارات من لاعبيه.
لا أدرى لما تذكرت مبارة مصر والمنتخب الهولندى فى كأس العالم 1990، وكنا نلعب بنظرية التمثيل المشرف، وإننا بطبيعة الحال لن نضاهى هؤلاء اللاعبين، وكأنهم كائنات فضائية ولعب فريقنا كله أمام مرماه بشكل سىء، حتى غيروا قانون فى اللعبة بسبب تلك المبارة.
منتخبنا المصرى أخفق فى الوصول الى المونديال، وعليه من الأن أن يستعد للمونديال القادم وبطولة أمم أفريقيا فكل الإمكانيات متاحة تنقصهم الروح القتالية والتفاني لإسعاد شعب كامل.
نقول فى الختام مبروك للمنتخب المغربى، خرجت مرفوع الرأس وشرفت الكرة الإفريقية والعربية، كنا نتمنى أن تظل محلق بأحلامك وامنياتنا أن تصل للنهائى، ولكنها كرة القدم تفعل معنا الأفاعيل ولا تعترف سوى بالأهداف.
تحية لدولة قطر على التنظيم الرائع، ومبروك للفريق الفائز فى نهاية البطولة، وإن كنت أتمناها فرنسية، وفى كل الأحوال الروح الرياضية والأخلاق تصنعها الرياضة، شاهدنا اللاعبين يتصافحون بكل حب رغم الخسارة والفوز، ففى الرياضة لابد من فائز دائما ولكن تبقى الروح الطيبة هى روح كل الرياضات .
علموا أولادكم لا للتعصب ولا للعنف شجع فريقك، منتخبك القومي، لكن انسانيتك وروحك الرياضية فوق كل شىء فاليوم أنت فائز وغدا خاسر، فتلك فلسفة كل الرياضات.