علي أبوحميد يكتب:
كل ما حدث وما سيحدث في مصر، ليس ناتجًا عن السياسة بحد ذاتها، بل عن محاولات ممنهجة لتغييب السياسة عن الواقع المصري. لو نظرنا بعمق إلى ما قبل ثورة يوليو 1952، سنجد أن السياسة المصرية كانت حاضرة بقوة، وكانت هناك حياة سياسية حقيقية لها تأثير مباشر في الشارع المصري. كانت الأحزاب فاعلة، والانتخابات تشهد تفاعلًا واسعًا، والناس جزء أصيل من العملية السياسية. ويكفي أن ننظر إلى حزب الوفد وزعمائه كنموذج واضح لما كانت عليه السياسة في مصر من رقي وتأثير.
لكن بعد قيام ثورة يوليو وسيطرة “الضباط الأحرار”، تغير المشهد تمامًا. لم يكن هدف الثورة في البداية هو القضاء على السياسة، بل مقاومة الفساد وتحسين الوضع القائم. لكن ما لبثت الأمور أن تحولت إلى سعي للسيطرة الكاملة على الحكم، فكان لا بد من قتل أي مظهر للحياة السياسية لضمان استمرار السيطرة. تم حل الأحزاب، وتشويه رموزها، ووصمهم بأنهم من “العصر البائد”، وجرى إحلال الزعامة الفردية محل العمل الحزبي والمؤسسي.
في خضم هذا التحول، وبسبب الخطابات الحماسية، صدق الشعب لبعض الوقت أنه بصدد عهد جديد، لكنه اكتشف لاحقًا أنه استبدل ملكًا واحدًا بملوك كثر. ويكفي أن نرى مشهد جنازة السياسي القدير مصطفى النحاس لنفهم حجم الفقد الذي أصاب الحياة السياسية المصرية.
في نهاية عهد السادات، بدأت عودة خجولة للحياة السياسية من خلال إنشاء ثلاثة منابر سياسية تمثل اليمين واليسار والوسط، لكنها كانت تحت سيطرة حكومية شبه كاملة. ومع بداية عهد مبارك، بدأ تأسيس الأحزاب يُفتح على استحياء، لكن تحت رقابة أمنية مشددة. ورغم ذلك، نجحت بعض الحركات في اختراق هذا الحصار، فظهرت حركات مثل “كفاية”، و”حزب الغد”، و”الحركة الوطنية للتغيير”، وكانت بمثابة بوادر أمل لتجديد الحياة السياسية.
ثم جاءت ثورة يناير، ويظن كثيرون أنها أنعشت الحياة السياسية، لكن الحقيقة أن كثيرًا من السياسيين انتقلوا من السياسة إلى “الثورية”، واعتقدوا أن الثورة والسياسة شيء واحد. وعندما جاء وقت الممارسة الفعلية للسياسة و للحكم، لم نجد سياسيين مؤهلين، بل وجدنا ناشطين منغمسين في الحراك الثوري، فاغتنمت جماعة الإخوان المسلمين الفرصة، وسيطرت على المشهد، لتبدأ مرحلة جديدة من السقوط السياسي.
بعد 2013، ومع انتشار العمليات الإرهابية والفوضى في سيناء، عادت موجة تشويه السياسة والسياسيين من جديد، واستُبدلت مفاهيم الحكم الرشيد بمنطق القبضة الأمنية والاحتكار.
لكن منذ 2020، بدأت مرحلة جديدة في الحياة السياسية المصرية، رغم كل العوائق التي تحيط بها. هناك مقاومة ومحاولات صادقة لإحياء السياسة، والمساحة تتسع، وإن كانت ببطء. لكن المؤسف أن نظرة الناس أصبحت مشوهة، فهم يرون كل ما يحدث كـ “مسرحية”، وأن كل المشاركين فيها مجرد “كومبارس” و انه لا يوجد امل، ويرددون: “هيجيبوا اللي عاوزينه”.
وهنا بيت القصيد: السياسة لا تُبنى بالسلبية. ليس كل من يحاول أن يكون جزءًا من التغيير “كومبارس”. التغيير دائما يبدا بخطوة، والدعم، ولو كان بكلمة، له تأثير كبير. لا تقتل من يحاول معنويًا، بل كن عونًا له، أو على الأقل لا تكن معول هدم.
السياسة هي أمل مصر الحقيقي للعودة من جديد، فلا تصدق من يصورها لك كعار أو لعبة مغلقة. أنظر بعقلانية، وتفاعل مع واقعك، وكن جزءًا من الخطوة.
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
إنضم الآن إلى #حزب_العدل
املئ الاستمارة من هنا
https://eladlparty.com/انضم-الي-الحزب
