في السنوات الأخيرة، برزت مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) كتحالف اقتصادي ضخم يعمل على المشاركة في صياغة المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي، ومع تنامي نفوذها الجماعي بوتيرة متسارعة، كان من الطبيعي أن تطمح أي دولة تسعى إلى تعزيز مكانتها على المسرح العالمي إلى الانضمام إلى هذا النادي الحصري. وقد أعربت مصر، الدولة ذات الأهمية التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، عن رغبتها في الانضمام إلى عضوية مجموعة البريكس.
وقد تحققت الأماني المصرية بإعلان قادة بريكس، الخميس الموافق 24 / 8 / 2023، عن انضمام 6 دول جديدة إلى التكتل الاقتصادي، من بينهم 3 دول عربية هم مصر والسعودية والإمارات، في خطوة تستهدف تقوية التحالف وتعزيز دوره العالمي. ففي ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، جاء الإعلان عن انضمامها إلى “بريكس” اعتباراً من يناير 2024، وكان بمثابة نقطة ضوء في مسار الإقتصاد المصري.
ومن بين المزايا الأساسية التي قد تجنيها مصر من الانضمام إلى مجموعة البريكس تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المجموعة، حيث تمثل دول المجموعة بعضاً من أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم، كذلك توفير الفرص لزيادة التجارة والاستثمار والتعاون التكنولوجي.
كما أنه بوسع مصر، بموقعها الاستراتيجي ومواردها الغنية، أن تستفيد من إمكانية الوصول إلى هذه الأسواق الديناميكية. وعلاوة على ذلك، من الممكن أن تساهم العضوية في مجموعة البريكس في تنويع اقتصاد مصر، الذي كان لفترة طويلة يعتمد على قطاعات مثل السياحة والزراعة. وبالتحرك نحو اقتصاد أكثر اعتماداً على المعرفة، يمكن لمصر أن تحسن قدرتها التنافسية واستدامتها في الأجل الطويل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن انضمام مصر إلى مجموعة البريكس يمكن أن يعزز نفوذها الجيوسياسي. تقليدياً، لعبت مصر دوراً محورياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كانت بمثابة جسر بين أفريقيا وآسيا وأوروبا. ومن خلال التحالف مع مجموعة البريكس، ستعمل مصر على تعزيز قوتها التفاوضية في المنتديات الإقليمية والعالمية. ومن خلال المشاركة النشطة في قمم ومؤتمرات مجموعة البريكس، تستطيع مصر أن ترفع صوتها فيما يتصل بقضايا، مثل: الاستقرار الإقليمي، وجهود مكافحة الإرهاب، وتغير المناخ. وهذا النفوذ المتزايد يمكن أن يؤدي بدوره إلى نفوذ دبلوماسي أكبر ووضع أكثر بروزا في الشؤون الدولية.
ولكن رغم ذلك، هناك بعض التحديات المحتملة التي يتعين على مصر أن تنظر فيها بعناية عند تقييم انضمامها إلى مجموعة البريكس. أولاً، قد يطرح تنوع المجموعة تحديات أيضاً، رغم أنه كان أحد مواطن قوتها. فكل عضو لديه أولويات اقتصادية وسياسية مختلفة، وقد يكون من الصعب إيجاد أرضية مشتركة بشأن بعض القضايا، وستحتاج مصر إلى مواءمة سياساتها وأهدافها مع سياسات وأهداف الأعضاء الحاليين لضمان التعاون والشراكات المثمرة، وقد تتطلب هذه العملية إصلاحات وتعديلات محلية كبيرة، مما قد يشكل عقبات اجتماعية وسياسية.
وعلاوة على ذلك، فإن العضوية في مجموعة البريكس قد تعرض مصر لمنافسة متزايدة. في حين أن التحالف يوفر الفرص للتجارة والاستثمار، فإنه يعني أيضا التنافس مع اللاعبين الراسخين داخل المجموعة. وسوف تحتاج الصناعات في مصر، وخاصة في قطاعات، مثل: التصنيع والتكنولوجيا، إلى رفع قدرتها التنافسية حتى يتسنى لها أن تزدهر في ظل هذه البيئة بالغة الديناميكية. وقد يستلزم ذلك تعزيز القدرات التعليمية والبحثية، والاستثمار في البنية الأساسية، وتشجيع الابتكار، وهو ما يتطلب قدراً كبيراً من الموارد والتخطيط الاستراتيجي.
وبناء علي ما سبق سرده، فقد اُثير- لدينا- عدة تساؤلات، بخصوص دعوة مجموعة البريكس لستة دول من أصحاب الاقتصاد الناشئ والنامي، في حين أنها قد أغلقت أبوابها في وجه دول أخري من ذوات الاقتصاد الجيد، فبالنظر في ذلك الاجراء، سنجد أن الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل أثيوبيا في منتهى الضعف، بينما تقبع الأرجنتين في فخ الديون منذ عقود، كما أن انضمام إيران المحاصرة دوليا قد يضع مجموعة البريكس في مرمى نيران الدول الغربية إذا ما فشلت المفاوضات مع إيران في إيجاد حل لعزلتها الدولية.
وهنا يبرز السؤال هل تعمل الدول الأعضاء على توسيع نطاق المجموعة من خلال خلق مجموعة أخري تابعة لها، تضم دول الاقتصاديات الناشئة والنامية، ذات معايير وشروط مخففة للانضمام إليها؟ وإذا ما كان ذلك صحيحا، فمتى يتم الإعلان عن هذه المعايير والشروط؟
وهل شروط الانضمام تلك، تشمل كونها ذات اقتصاد ناشئ ونامي فقط أم أن هناك بعض المعايير السياسية والجيو-ستراتيجية الأخرى؟
ومما يعزز هذه الأسئلة والتكهنات، عدم انضمام دول عديدة، طلبت العضوية، وكانت أقرب ما يكون للانضمام، مثل إندونيسيا وماليزيا والجزائر، فهل تستبعد دول بريكس دولا كانت مؤهلة لأسباب غير اقتصادية؟
والسؤال الأهم، هل ستحصل الدولة المصرية علي كافة الامتيازات كالدول الأعضاء الحاليين أم ستُعامل كعضوة من فئة مختلفة؟ وإلي أي مدي ستصل تلك الامتيازات؟ وهل تستحق تلك الإمتيازات ما يُقابلها من تنازلات وتحديات – إن وجد-؟ وهل ستضع مجموعة البريكس أعضائها في مرمى نيران الدول الغربية؟ لذا نجد أنه لابد أن نعرف –صراحةً- الإجابة علي تلك التساؤلات وما تطرحه من نقاشات قبل موعد الإنضمام الرسمي.
وفي الختام، يحمل انضمام مصر إلى مجموعة البريكس فرص وتحديات. وتشمل الفرص زيادة التعاون الاقتصادي، والتنويع المحتمل للاقتصاد، وزيادة النفوذ الجيوسياسي. غير أنه ينبغي التصدي لتحديات من قبيل المواءمة مع مختلف أصحاب المصلحة ومواجهة المنافسة الشديدة. وفي حين إقدام مصر علي الانضمام إلى مجموعة البريكس بدايةً من 1 / 2024، فإن الفحص الدقيق لهذه العوامل يشكل أهمية بالغة. فيجب أن يتم إدارتها بحذر، وتطوير استراتيجيات فعالة للاستفادة القصوى من الانضمام إلى مجموعة البريكس والتغلب على أي تحديات محتملة. وفي النهاية، لابد أن يسترشد صانع القرار بتقييم شامل لمصالح مصر الوطنية، وإمكانية النمو، وقدرة البلاد على التكيف مع المطالب والفرص التي يطرحها هذا التحالف العالمي الناشئ.