إبراهيم العجمي يكتب:
لا يمكن لأي مجتمع أن ينعم بالاستقرار ما لم يكن التماسك بين أبنائه مبنيًا على قيم المواطنة والمساواة والعدالة في إطار دولة القانون. وفي مصر، التي عرفت التعددية الدينية والثقافية منذ فجر التاريخ، يظل التجييش الطائفي أحد أخطر التهديدات التي تمس بنية المجتمع وتضرب وحدة نسيجه الوطني من حين إلى آخر.
تتكرر الملامح ذاتها في كل أزمة يكون طرفاها مسيحي ومسلم: يتحول الخلاف الفردي إلى معركة رمزية تُستدعى فيها الانتماءات الدينية، ويُستغل التوتر لتعزيز الانقسام بدلاً من الاحتكام إلى القانون. وتُفاقم وسائل التواصل الاجتماعي من خطورة الموقف، إذ توفر بيئة خصبة لبث الكراهية ونشر الفتن دون رقيب أو مساءلة.
الهروب من مواجهة هذه الإشكالية لم يعد ممكنًا. إنكار وجود طائفية هو في حد ذاته شكل من أشكال ترسيخها. ما نحتاجه ليس دفن رؤوسنا في الرمال، بل نقاش هادئ وموضوعي حول: من يصنع الطائفية؟ من يغذيها؟ ومن يدفع ثمنها؟
المؤلم أن الفئات الأكثر فقرًا وتهميشًا هي التي تتحمل دائمًا كلفة هذه الصراعات، بينما يظل المحرّضون بمنأى عن المحاسبة، يعبثون بوعي الناس، ويستثمرون في الكراهية لتثبيت سلطتهم أو مصالحهم.
من هنا، يصبح من الضروري التأكيد على أن دولة المواطنة ليست مجرد شعار، بل ضرورة وجودية. دولة لا تميز بين مواطنيها على أساس الدين أو المعتقد، بل تحميهم جميعًا بمظلة العدالة. وفي هذا السياق، فإن تفعيل العقوبات الرادعة ضد من يحرّضون على الطائفية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد خيارًا، بل ضرورة لحفظ الأمن الاجتماعي.
لقد آن الأوان لبناء ثقافة مدنية جديدة تتأسس على احترام الآخر، وتعزز من قيمة التنوع كعنصر قوة لا تهديد، وتعيد تعريف الهوية الوطنية على أساس المواطنة لا الطائفة.
وفي هذا الإطار، نؤكد على ضرورة الإسراع في تفعيل المادة (53) من الدستور المصري، التي تنص على أن:
“التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء عليه، وتنشئ هيئة مستقلة لهذا الغرض.”
ختامًا، مصر لن تنهار بطائفية يصنعها البعض طالما بقي فيها من يؤمن بأن العيش المشترك ليس رفاهية، بل شرط لبقاء الوطن. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
