الرئيسيةمقالات العدلإبراهيم العجميإبراهيم العجمي يكتب: لماذا يضحك المصريون؟

إبراهيم العجمي يكتب: لماذا يضحك المصريون؟

سؤال يبدو بسيطًا، لكن خلفه طبقات عميقة من التفسير النفسي والاجتماعي، فالمصري لا يضحك دائمًا لأنه سعيد، بل كثيرًا ما يضحك هربًا من واقع ضاغط. في علم النفس، يُفسر الضحك أحيانًا كنوع من الإنكار أو آلية دفاعية للهروب من القلق، وهو ما يبدو واضحًا في المجتمع المصري الذي بات الضحك فيه سلاحًا يوميًا لمواجهة الأعباء.

لم يمر رحالة أو عالم اجتماع أو مستشرق على مصر أو مؤرخ من أبنائها إلا والتفت إلى خصيصة من أهم الخصائص التي تميز بها الشعب المصري على مر عصوره، ألا وهي الضحك ومحبة الفكاهة. فيقول عنهم الشاعر اليوناني ثيوكريتوس، الذي عاش في الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد: “إنهم شعب ماكر، لاذع القول، روحه مرحة”، ويروي ابن خلدون في مقدمته: “إن أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح والخفة والغفلة عن العواقب”، كما نقل عنه أيضًا أنه حين رأى المصريين قال: “أهل مصر كأنهم فرغوا من الحساب”. وتعددت النظريات التي تحاول تفسير ظاهرة الضحك، وقد صنفها الفلاسفة إلى ثلاث فئات: نظرية التفوق، ونظرية التناقض، ونظرية التنفيس، وكل منها يعكس وجهًا من أوجه تفسير هذه الظاهرة المركبة في السلوك البشري.

ومنذ أن يولد المواطن المصري، يجد نفسه محاصرًا. لا يتوفر له الحد الأدنى من التغذية السليمة، ويواجه في سنواته الأولى خطر التقزم نتيجة سوء التغذية. تشير بيانات وزارة الصحة إلى أن نسبة التقزم بين الأطفال المصريين دون سن الخامسة 13٪ عام 2021، لكنها لا تزال مرتفعة ومقلقة، خصوصًا في ظل استمرار الفقر الغذائي في كثير من المناطق الريفية.

ثم تأتي مراحل التعليم، حيث يواجه الطالب المصري كمًّا هائلًا من الضغوط النفسية والبدنية والعقلية. الامتحانات مرهقة، والمناهج بعيدة عن الواقع، والمدارس تفتقر إلى الحد الأدنى من البيئة الآمنة الداعمة.

في هذا السياق، لا يكون غريبًا أن تسجل دراسات محلية أن ما يقرب من 30٪ من طلاب الثانوية يعانون من مشكلات نفسية، وقرابة 22٪ منهم يفكرون في الانتحار، وهي أرقام تنذر بكارثة صامتة تتفاقم كل عام.

يتخرج الطالب في النهاية إلى سوق عمل لا يعترف بشهادته، ويجد نفسه بين خيارين كلاهما مرّ: البطالة أو القبول بوظيفة لا تمت لتخصصه بصلة وبراتب لا يغني ولا يسمن من جوع. معدل البطالة في مصر بلغ 6.4٪ في الربع الأخير من 2024، ومع ذلك، لا تعكس الأرقام حقيقة المعاناة التي يشعر بها من يعملون بأجور متدنية، حيث تحتل مصر مراتب متأخرة عالميًا في متوسط الأجور الشهرية.

وبينما يظن الشاب أنه تجاوز الصعوبات، يبدأ رحلة البحث عن الاستقرار الأسري، ليصطدم بواقع أكثر قسوة. الزواج يتطلب إمكانيات مادية ضخمة، ومناخًا نفسيًا مستقرًا لا يتوفر غالبًا. ليس من المستغرب إذن أن تسجل مصر أكثر من 254 ألف حالة طلاق في عام واحد، بمعدل حالة طلاق كل دقيقتين، وهو رقم يجعلها في صدارة الدول عالميًا في هذه الظاهرة.

كل هذه الضغوط مجتمعة تُترجم إلى نتائج واضحة في تقارير السعادة وجودة الحياة، في تقرير السعادة العالمي لعام 2025، جاءت مصر في المرتبة 121 عالميًا، وهو ترتيب يعكس ما يشعر به المواطن في حياته اليومية من ضيق، وقلق، وغياب للطمأنينة.

ومع ذلك، يضحك المصري. لا لأن كل شيء بخير، بل لأن الضحك هو المهرب الوحيد. يضحك من قلب الأزمة، يسخر من معاناته، ويحوّل مشكلاته إلى نكات يتداولها مع أصدقائه، وكأن في الضحك نوعًا من المقاومة. فالمصري يعرف جيدًا أن الحزن لا يغيّر الواقع، لكن ربما الضحك يمنحه بعض القوة ليتحمل يومًا آخر، وربما كان الضحك آخر ما تبقى من إنسانيته في وجه عالم يحاول تجريده من كل شيء، إلا قدرته على الصمود. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏تحتوي على النص '‏أقلام عدلاوية إبراهيم العجمي :يكتب: لماذا يضحك المصريون؟ fooo eladlparty.com اكدل حزب العدل‏'‏‏

كل التفاعلات:

٦Ibrahim Elagmey و٥ أشخاص آخرين

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة