الاعتراف بالخطأ: خطوة نحو النضج السياسي:
الاعتراف بالأخطاء ليس ضعفًا، بل هو دليل على النضج السياسي والقدرة على التعلم. أخطاء المعارضة المصرية تراوحت بين الانقسامات الداخلية، ضعف الخطاب السياسي الموحد، والانجرار أحيانًا إلى مواجهات غير محسوبة مع السلطة أو حتى مع أطراف أخرى من المعارضة نفسها. كما شملت أخطاء الماضي الانغماس في الصراعات الأيديولوجية غير ذات العائد على المواطن، وهي صراعات استنزفت الطاقات وشتّت الجهود بدلًا من التركيز على القضايا الحقيقية التي تمس حياة المواطنين اليومية.
الاعتراف بهذه الأخطاء يجب أن يكون جماعيًا، تشارك فيه جميع الأطياف السياسية. يمكن لهذا الاعتراف أن يكون نقطة انطلاق نحو صياغة رؤية جديدة تلبي تطلعات الشارع المصري، الذي يعاني من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
التعلم من الماضي: ضرورة لمستقبل أفضل
تعلم الدروس من الماضي هو السبيل الوحيد لتجنب تكرار الأخطاء. ومن أبرز هذه الدروس:
أهمية الوحدة الوطنية: الانقسامات داخل صفوف المعارضة أضعفت من قدرتها على مواجهة التحديات. يجب بناء تحالفات قوية تستند إلى مبادئ مشتركة، مع احترام التنوع الفكري والسياسي.
التواصل مع الشارع: المعارضة يجب أن تكون قريبة من الناس، تتفهم مشاكلهم وتسعى لتقديم حلول عملية بدلًا من الاكتفاء بالشعارات.
تعزيز الكفاءة السياسية: كثير من القيادات المعارضة تحتاج إلى تطوير مهاراتها في الإدارة السياسية وصياغة البدائل الفعالة.
الاتفاق على أجندة وطنية موحدة: بدلًا من التركيز على النقاط الخلافية التي تزيد من تشتت الجهود، يجب أن تعمل المعارضة على صياغة أجندة وطنية تتضمن الأولويات المشتركة كتحسين التعليم، الرعاية الصحية، العدالة الاجتماعية، وخلق فرص عمل. هذه الأجندة يجب أن تكون خارجة عن أي نزاعات أيديولوجية وأن تضع المواطن في قلب الاهتمام.
نموذج يحتذى به
هناك تجارب دولية نجحت فيها المعارضة في تجاوز أزماتها والعودة بقوة إلى المشهد السياسي. يمكن لمصر الاستفادة من هذه التجارب، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات الواقع المصري ومنها :
الوحدة حول هدف مشترك: كما فعلت ANC في جنوب إفريقيا، يجب أن تتفق المعارضة المصرية على هدف وطني جامع، مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
التواصل مع الشعب: تجربة حركة التضامن البولندية تؤكد أهمية الارتباط بقضايا الناس والعمل على حلول عملية.
الميثاق الوطني: على غرار إسبانيا، يمكن صياغة وثيقة تتضمن القواسم المشتركة بعيدًا عن الأيديولوجيات.
التحالفات المتنوعة: كما في تشيلي، يمكن أن يجمع تحالف واسع أطياف المعارضة بشرط الاتفاق على أجندة
كيف نطبق الدرس في مصر؟
-صياغة أجندة وطنية موحدة:
تحديد أولويات مشتركة بعيدًا عن الخلافات الأيديولوجية.
قضايا مثل البطالة، تحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وتعزيز الحريات يمكن أن تكون نقاط التقاء للجميع.
-بناء تحالف سياسي ومجتمعي:
كما في تشيلي وجنوب إفريقيا، يجب أن يتجاوز التحالف المعارضة السياسية ليشمل النقابات المهنية، منظمات المجتمع المدني، والقيادات الشعبية في المحافظات.
-ترسيخ التنظيم القاعدي للأحزاب :
تنظيم الفئات المتضررة من الأوضاع الاقتصادية، مثل العمال والشباب، من خلال مبادرات ميدانية على مستوى القرى والمدن.
-استغلال الفرص السياسية:
المشاركة المنظمة في الانتخابات والاستفتاءات لزيادة التمثيل وتعزيز الضغط السياسي.
-استخدام السوشيال ميديا والإعلام البديل لتوسيع دائرة التأثير.
-التواصل مع الشعب:
التركيز على خطاب بسيط ومباشر يلامس قضايا المواطن اليومية، على غرار حركة التضامن البولندية.
-التدرج في تحقيق الأهداف:
التركيز على إصلاحات مرحلية مثل ضمان نزاهة الانتخابات، وتحقيق توازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية.
وأخيراً التعاون طريق الأمل
إذا استطاعت المعارضة المصرية أن تتبنى استراتيجية مستلهمة من هذه النماذج الدولية، مع مراعاة خصوصية السياق المصري، فإنها قادرة على تجاوز انقساماتها واستعادة ثقة الشعب. النموذج المصري لا يتطلب تقليد التجارب، بل استلهام المبادئ التي نجحت فيها: الوحدة، التنظيم، والتركيز على المواطن كأولوية.
وللحديث بقية ٫٫٫