حين نقرأ خبرًا عن موظف حكومي تورط في جريمة رشوة أو اختلاس أو حتى تسهيل سرقة، نتعامل معه غالبًا وكأنه مجرم فردي، بينما الحقيقة أوسع من ذلك بكثير. لا أحد ينكر أن الجريمة لا تُبرر، وأن الرشوة ليست سوى وجه من وجوه الفساد. لكن السؤال الأعمق هو: هل منظومة الأجور الحكومية الحالية تُساهم في صناعة بيئة خصبة للفساد؟
الأجر والكرامة
الموظف الحكومي هو العمود الفقري لأي دولة. هو المعلم الذي يُربي الأجيال، والموظف الذي ينجز معاملات الناس، والشرطي الذي يحفظ الأمن، والممرض الذي يسهر على حياة المرضى. لكن المفارقة المؤلمة أن أغلب هؤلاء يعيشون برواتب بالكاد تكفي أسبوعًا واحدًا من احتياجات أسرهم.
حين يتحول المرتب إلى مجرد “مصروف جيب”، ينكسر الرابط بين الوظيفة والكرامة، وتُصبح الضغوط الاقتصادية خانقة لدرجة تدفع البعض إلى البحث عن “طرق أخرى” لتعويض الفجوة.
الفقر ليس تبريرًا… لكنه سبب
لا نقول إن الفقر يُبرر السرقة أو الرشوة، لكنه يفتح الباب لتطبيع السلوكيات غير الأخلاقية.
حين يعتاد الموظف على أن مرتبه لا يغطي مصروفاته الأساسية، يصبح تقاضي مبلغ إضافي “من تحت الترابيزة” مجرد وسيلة للبقاء، لا جريمة كبرى في نظره. هنا تبدأ الكارثة: الدولة نفسها تكون قد ساهمت في صناعة اللصوص دون أن تدري.
الكلفة الأكبر: ثقة المواطن
المشكلة لا تنحصر في فساد فردي، بل في ضياع الثقة بين المواطن والدولة. المواطن الذي يُضطر لدفع رشوة لكي يحصل على خدمة يفقد احترامه للمؤسسات العامة، ويشعر أن القانون مجرد حبر على ورق. وهنا نكون أمام أزمة ثقة لا تقل خطورة عن أزمة الأجور نفسها.
أين تكمن الحلول؟
إصلاح هيكل الأجور: رفع الحد الأدنى بما يتناسب مع تكلفة المعيشة، وربط المرتبات بمعدلات التضخم.
سياسات صارمة ضد الفساد: تشديد الرقابة والمحاسبة، لكن بالتوازي مع تحسين الرواتب حتى لا يكون “الطمع” مغلفًا بغطاء الحاجة.
إعادة الاعتبار للوظيفة العامة: عبر برامج تدريب وتقدير مجتمعي يجعل الموظف يشعر أن مكانته محفوظة.
خلاصة
تدني دخول موظفي الحكومة ليس مجرد ملف مالي، بل هو ملف أمني، اجتماعي، وأخلاقي. تجاهله يعني استمرار صناعة بيئة تدفع البعض إلى الرشوة والاختلاس، وتُغذي دائرة فساد تهدد ثقة المجتمع في دولته.
الجريمة لا تُبرر، لكن السياسة الحكيمة تعرف أن الوقاية تبدأ من العدل.
#الأسورة_الأثرية#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
