في خطوة طال انتظارها، بدأت وزارة الخارجية المصرية في بحث سبل التحول الرقمي للمعاملات القنصلية للمصريين بالخارج. هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية نحو تسهيل الإجراءات، وتقليل الوقت والجهد المبذول في استخراج الوثائق الرسمية، مثل جوازات السفر، شهادات الميلاد، والتوكيلات. لا شك أن هذا التوجه يعكس إدراك الدولة لأهمية تحديث الخدمات وتحقيق كفاءة أعلى في التعامل مع احتياجات مواطنيها بالخارج.
لكن بينما نشيد بهذه الخطوة الإيجابية، يبقى السؤال الأهم الذي يشغل بال كثير من المصريين بالخارج: ماذا عن تكاليف استخراج تلك الخدمات؟
المصريون بالخارج يواجهون رسوماً قنصلية تتجاوز ما يدفعه المواطن داخل مصر لنفس الخدمات ، بل في بعض الأحيان أكثر مما يدفعه نظرائهم من المواطنين المغتربين من الدول الأخرى. سواء كان الأمر متعلقًا بتجديد جواز السفر، تسجيل مولود جديد، أو حتى استخراج توكيل، فإن الرسوم القنصلية تظل عبئًا ثقيلاً على كاهل الكثير من الأسر. في بعض الحالات، يمكن أن تكون هذه التكاليف أعلى بعدة أضعاف من نظيرتها المحلية، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول مدى عدالة هذه الرسوم ومدى توافقها مع إمكانيات المصريين المغتربين، خاصة و أن الارتفاع في التكاليف جاء بشكل مفاجئ و، بشكل هائل نسبيا.
من المهم أن ندرك أن التحول الرقمي ليس فقط مسألة تسهيل الإجراءات، بل يجب أن يكون جزءًا من رؤية شاملة تهدف إلى جعل الخدمات القنصلية أكثر كفاءة وأقل تكلفة. فالمصريون بالخارج ليسوا مجرد مستفيدين من هذه الخدمات، بل هم ركيزة اقتصادية أساسية للدولة، حيث يساهمون بمليارات الدولارات سنويًا عبر التحويلات المالية التي تُعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر. ومن هذا المنطلق، أليس من المنطقي أن يكون هناك مراجعة للرسوم بحيث تعكس تقدير الدولة لدورهم بدلاً من أن تشكل عبئًا إضافيًا عليهم بجانب كاهل الاغتراب عن وطنهم و أهلهم؟
تخفيض الرسوم القنصلية أو على الأقل إعادة النظر فيها يجب أن يكون جزءًا من أي عملية تطوير للخدمات القنصلية. فالتحول الرقمي وحده ليس كافيًا إذا لم يصاحبه تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين بالخارج. التكنولوجيا يجب أن تكون وسيلة لتسهيل حياة الناس، وليس مجرد طريقة لتسريع نفس الإجراءات المكلفة.
القضية بحاجة إلى نقاش جاد، وإلى حلول تضمن تحقيق التوازن بين تحسين الخدمات وضمان قدرتها على الوصول إلى الجميع بتكلفة معقولة. المصريون بالخارج يستحقون أن يشعروا بأن دولتهم تدعمهم وتراعي ظروفهم، لا أن تكون الخدمات الأساسية عبئًا متزايدًا عليهم في كل مرة يحتاجون فيها إلى ورقة رسمية.
التحول الرقمي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن العدالة في التكاليف هي الخطوة التي ستجعل هذا التحول ذا قيمة حقيقية للمواطن، تشعره بأن وطنه بجانبه، و ليس هو الوحيد في المعادلة المطلوب منه أن يكون “بجانب وطنه”.
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
