الرئيسيةمقالات العدلعبد العزيز الشناوي يكتب: مفاهيم (٣)الاقتصاد الأزرق .. طريق نحو النمو المستدام...

عبد العزيز الشناوي يكتب: مفاهيم (٣)الاقتصاد الأزرق .. طريق نحو النمو المستدام وحماية البيئة البحرية

الاقتصاد الأزرق هو مفهوم يركز على استخدام الموارد البحرية والمائية بشكل مستدام لتعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وحماية البيئة البحرية.
يضم الاقتصاد الأزرق مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على البحار والمحيطات، مثل الصيد، النقل البحري، الطاقة البحرية المتجددة، السياحة البحرية، وعلوم المحيطات. الفكرة الأساسية هي تحقيق توازن بين الاستفادة من الموارد البحرية والتنمية الاقتصادية، وبين حماية البيئة البحرية والحد من التلوث والتهديدات التي تواجه النظم البيئية البحرية.

وفقاً لتقديرات البنك الدولي، يساهم الاقتصاد الأزرق بحوالي 2.5 تريليون دولار سنوياً في الاقتصاد العالمي، ويدعم حياة أكثر من 3 مليارات شخص يعتمدون على البحار بشكل مباشر أو غير مباشر.

يشمل الاقتصاد الأزرق مجالات متنوعة، منها الصيد المستدام للأسماك والمأكولات البحرية، الذي يضمن الحفاظ على المخزونات السمكية للأجيال القادمة، بالإضافة إلى النقل البحري، والذي يعد أحد أهم وسائل التجارة العالمية واللوجيستيات عبر المحيطات. إذ يُعتبر النقل البحري مسؤولاً عن أكثر من 80% من حركة التجارة العالمية، مما يبرز أهميته كقطاع حيوي في الاقتصاد الأزرق. كما يلعب الاقتصاد الأزرق دوراً مهماً في تعزيز الاعتماد على الطاقة البحرية المتجددة، مثل طاقة الرياح البحرية والطاقة الحرارية للمحيطات، كبدائل مستدامة للطاقة الأحفورية الملوثة للبيئة. كذلك، تسهم السياحة البحرية، بما في ذلك السياحة الشاطئية والرحلات البحرية والغوص، في دفع عجلة الاقتصاد مع الحفاظ على البيئة البحرية.

من الأمثلة الناجحة عالمياً في تطبيق مفهوم الاقتصاد الأزرق، تأتي النرويج كدولة رائدة في استخدام الطاقة البحرية المتجددة، بينما تعد جزر المالديف نموذجاً مميزاً في السياحة المستدامة التي تحافظ على البيئة البحرية.

وعلى الصعيد المحلي، تسعى مصر لأن تلعب دوراً محورياً في تعزيز استدامة النقل البحري من خلال تطوير قناة السويس والمواني المصرية، بما يسهم في جعلها مواني خضراء مستدامة.

ولا يمكن إغفال دور التكنولوجيا البحرية والابتكارات العلمية، مثل تطوير تقنيات مراقبة المحيطات واستخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة الموارد البحرية بشكل أكثر فعالية. فقد ساهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار في رصد التلوث البحري، وتحسين إدارة مصايد الأسماك عالمياً.

الاقتصاد الأزرق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الاستدامة، حيث يسعى إلى استغلال الموارد البحرية بطرق تعزز النمو الاقتصادي وتوفر فرص عمل، دون استنزاف هذه الموارد أو تدمير البيئة البحرية. يتحقق ذلك من خلال الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية الكائنات البحرية والموائل الطبيعية، بالإضافة إلى التقليل من التلوث البحري الناجم عن الأنشطة الاقتصادية، مثل النفايات البلاستيكية وتلوث المياه. وتشير التقارير إلى أن أكثر من 8 ملايين طن من البلاستيك ينتهي في المحيطات كل عام، مما يهدد التنوع البيولوجي البحري ويتطلب حلولاً عاجلة ومشتركة.

كما تتضمن الاستدامة إدارة حكيمة للموارد البحرية، من خلال تنظيم أنشطة الصيد وضمان استمراريتها، وتعزيز الطاقة المتجددة كخيار مستدام يحد من التغير المناخي ويقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

الاقتصاد الأزرق يساهم كذلك في الأمن الغذائي العالمي، إذ توفر الأسماك والمأكولات البحرية مصدر رئيسي للبروتين لأكثر من مليار شخص حول العالم.

ويعد الاقتصاد الأزرق عنصراً أساسياً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، حيث يركز الهدف رقم 14 منها على “الحياة تحت الماء”. ويهدف هذا الهدف إلى حماية المحيطات والبحار والموارد البحرية، ودعم ممارسات صيد مستدامة تحافظ على التنوع البيولوجي، بالإضافة إلى تشجيع الابتكارات والتكنولوجيا لضمان الاستخدام المستدام للموارد البحرية. كما تدعو الأمم المتحدة الدول لتعزيز التعاون الدولي لحماية المحيطات، خاصة في المناطق المشتركة بين أكثر من دولة.

بيد أن الاقتصاد الأزرق يواجه تحديات كبيرة، مثل التغيرات المناخية وارتفاع مستوى البحار، الصيد الجائر، والتلوث البحري الناجم عن الأنشطة الاقتصادية. التعامل مع هذه التحديات يتطلب تعاوناً دولياً فعالاً لضمان تحقيق الاستدامة وحماية البيئة البحرية.

في الختام، يمثل الاقتصاد الأزرق ركيزة أساسية لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة البحرية، حيث يربط بين النمو الاقتصادي والالتزام بمبادئ الاستدامة، لضمان استمرارية الموارد البحرية للأجيال القادمة. وفي هذا الإطار، يمكن أن تلعب مصر دوراً استراتيجياً من خلال تطوير موانئها لتصبح مراكز مستدامة، وتعزيز الاستفادة من النقل البحري عبر قناة السويس، مما يدعم تحقيق أهداف الاقتصاد الأزرق عالمياً، وبما يتيحه الموقع المتميز لمصر في قلب التجارة العالمية المعتمدة على النقل البحري.

تحقيق هذا التوازن يتطلب التزاماً جماعياً من الدول والمؤسسات والشركات لضمان أن تصبح المحيطات والبحار مصدراً مستداماً للنمو والازدهار، مع الحفاظ على التنوع البيئي والموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

… وإلى اللقاء في حلقتنا القادمة من #مفاهيم.

حزبالعدل #صوتالطبقةالمتوسطة #العدلهو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة