عبد الغني الحايس |يكتب:
دروس مابعد النكسة
اليوم الخامس من يونيو يحمل معه ذكرى أليمة على الشعب المصرى، وضربة قاسمة للشعوب العربية، اعتقد أننا مازلنا لتلك اللحظة نعانى من أثارها، ففى ذات اليوم من عام 1967 كتب علينا هزيمة مريرة، نعتوها بالنكسة، حتى قيل إن عبدالناصر مات فى 67 ودفن فى 1971 من وقع الهزيمة القاسية .
فقد كان عبدالناصر يحظى بشعبية طاغية فى تلك الفترة، قتلت فية الهزيمة حلمة القومى والعربى، وكسرت هيبته، وتغير موازين القوى بالمنطقة، فلم تعد قضية العرب هى القضية الفلسطينية، بل زاد العبأ العربى بضرورة عودة الأراضى العربية المحتلة، سيناء فى مصر، والجولان بسوريا، والضفة الغربية والقدس الشرقية بفلسطين.
فالرجل القوى الذى وجه كل عبارات الإستفزاز الى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، و الإهانة الى ملكة بريطانيا، وهدد اسرائيل بإلقائها فى البحر، ودخل فى علاقات مضطربة مع الغرب وخصوصا فرنسا وبريطانيا، وخلاف مأزوم مع السعودية، مهزوم منكسر.
وتتحول دفة القوى الى عدو متغطرس، حقق ما لم يحلم به فى خيالاته، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بضم أراضى تحقق هوسة المزعوم، ودولتة الكبرى، وبين رئيس يقاوم كبريائة يعلن التنحى، وشعب يرفض الرضوخ الى الهزيمة، ويخرج الى الشوارع يطالب عبدالناصر بالعودة، وقيادة الدفة، واسترداد الأرض المغتصبة.
كان يجب إعادة تقييم الأوضاع، وإعادة قرائة المشهد داخليا وخارجيا، للخروج من نفق الإنكسار والنكسة.
وكان يجب طرح كثير من الأسئلة، والبحث عن اجوبة موضوعية وواقعية، بعيدا عن حالة الهوس الذى كنا نعيش فيها بشكل درامى.
فهل كان عبدالناصر يستفز اسرائيل، وهو لايعلم شىء عن قدرات جيشة؟
هل خدع المشير عامر الرئيس عبدالناصر عندما سأله هل انت مستعد فقال له برقبتى ياريس؟
وحقيقة الأمر ان الجيش كان يعانى من قلة الأسلحة وضعف التدريبات، وبقاء كثير من القادة لمدة طويلة فى مناصبهم برغم قلة كفائتهم، ووجود خيرة جنودنا فى حرب عبثية باليمن خسرنا فيها ايضا كثير من الأفراد والمعدات.
لذلك فى ست ساعات حدثت الهزيمة، وخسرنا معداتنا العسكرية، وشهداء، ومصابيين لم يعودوا بأكاليل الغار بل عادوا منكسريين، تحجرت الدموع فى العيون، وأكتسى جيل بمرارة النكسة، وتولدت لديهم رغبة فى رفع أثار العدوان.
وفى الطرف الأخر تقف الولايات المتحدة الأمريكية مع اسرائيل بكل طاقتها، نكاية فى عبدالناصر، ومدعية أنه من أخل بالمواثيق، حين أغلق المضايق (مضيق تيران)، وطلب بسحب قوات الأمم المتحدة، وحشد قواتة فى سيناء كلها أمور اعتبرتها اسرائيل اعلان حرب عليها، واستمر دعم امريكا لإسرائيل لتكون شوكة وعلقم فى حلق منطقة الشرق الأوسط، وحامى مصالح الأمريكان بالمنطقة.
صحيح نفض المصريين غبار الإنكسار سريعا، وأعاد عبدالناصر ترتيب كل الأوضاع المغلوطة، وبدأت حرب الإستنزاف بمعركة رأس العش، ومعارك ومواقع كتب فيها الجندى المصرى بأحرف من نور انه خير أجناد الأرض بطولة وتضحية وفداء، وانه لن يستسلم أبدا، وعاشت اسرائيل فى جحيم سنوات الإستنزاف، حتى كانت لحظة العبور فى اكتوبر 1973، وهزيمة العدو المتغطرس، ووئد كبريائة، وسحق حلمة المزعوم، وعودة كامل أراضينا، وبقيت باقى الارضى السورية والفلسطينية تحت سلطانهم حتى الان.
كنت دائما أرى نكسة 1967 قاسية، وسبب ما نعانية نحن العرب الى تلك اللحظة، حتى بعد ان استطاعت مصر محو الهزيمة، واعاده كبريائها وأرضها، لكن بقيت اسرائيل بقوتها شيطان واداة امريكية للعبث بالمنطقة.
واليوم تلعب أمريكا نفس دور الأمس فى دعمها اسرائيل فى حربها البربرية ضد فلسطين، برغم كل القتل والدماء والمجازر صمت أذنيها وأعينها ضد تلك الوحشية والبربرية الصهيونية، وهذا الدعم جعل اسرائيل لا تحترم يوما بمعاهدات او اتفاقيات، واستمرت تمارس غيها وضلالها، وانها لم تحاسب يوما على مجازرها فى دير ياسين وقانا وجنين ويافا والبريج ورفح وخان يونس والمستشفى المعمدانى وغيرها من المجازر التى ارتكبتها ما قبل النكبة وما بعدها حتى الان.
لقد كتبت اسرائيل فصلا جديد من مجازها منذ يوم السابع من اكتوبر العام الماضى حتى يومنا هذا وصلنا 36224 شهيد فلسطينى من بينهم 12300 طفل ، و 10 الالف مفقود ، و 81480 جريح، ودمار كامل للقطاع حتى اصبح منطقة منكوبة لا تصلح للحياة، وانتهاكات مستمرة من المستوطنين بالضفة، وحملات اعتقال تحولت معها الضفة الى جحيم.
منذ يومين اعلن بايدن عن خطته لوقف الحرب لم تدخل حيز التنفيذ بعد، لكننا جميعا نعرف أنه الوحيد القادر على وقف تلك الحرب، والتى كشفت زيف المجتمع الدولى امام شرطى العالم المتحيز، صاحب الفيتو الداعم للقتل، ووسط تخاذل عربى، وانتفاضة من احرار العالم ضد حكوماتهم وبربرية اسرائيل.
نتمنى أن نستفيد من دروس التاريخ، لعل وعسى ان تستيقظ فينا قوميتنا وعروبتنا ونتحد لنكون قوة لا يستهان بها فى عالم تحكمه القوى والغطرسة، وان نخرج من دائرة التنازع والإقتتال والخلاف فى السودان وليبا واليمن وسوريا والصومال ونتخطى خلافاتنا وانقسامتنا لنكون حقا امة عربية وليس فتات عربى.
عاش كفاح الشعب الفلسطينى الحر، وتحيا مصر عزيزة ابية قوية ناهضة .