مع وصول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة شهره السادس، توسعت دوائر الصراع بشكل غير مسبوق في جنوب لبنان، وفي البحر الأحمر، منذرة بمستقبل غير مستقر للمنطقة في المستقبل القريب.
على الصعيد العالمي، لم تدخر العواصم الغربية من اللحظات الأولى للحرب أي مجهود في إعلان تأييد غير مشروط للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، سواء كان بالدعم الدبلوماسي أو المادي أو التسليح العسكري المباشر.
ما لم تضعه في الحسبان تلك الدول هو أن من ضمن تركيب سكانها الديموغرافي الأساسية من هم مسلمين، و من هم من أصول عربية، أو حتى من لم يرتض أو يقبل مشاهد القتل غير المبرر والتجويع اليومية للمدنيين العزل، مما أدى إلى تنظيم مظاهرات، هي الأكبر في تاريخ القضية الفلسطينية، ورفع لحالة التوعية بمعاناة الفلسطينيين ليس فقط من يوم السابع من أكتوبر، ولكن منذ بدأت من ٧٥ عاما، وكشفت عن حالة عامة من الغضب من الشعوب تجاه المواقف المخيبة للآمال لحكوماتهم.
و لكن، لكل اختيار تبعاته…
منذ بداية الحرب، لم تحد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن الدفاع لحظة عن الكيان الصهيوني، تارة بالتمويل وتارة بالتسليح، وتارة باستخدام حق النقض (الفيتو) في جلسات مجلس الأمن. ولكن، ليس ذلك فقط المشترك ما بين الدولتين، بل أيضا إننا نقترب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية والبرلمانية البريطانية في أواخر ٢٠٢٤ وأوائل ٢٠٢٥ على التوالي. ما يميز أيضا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سياسيا أنهم يتبعون نظام الحزبين، انحصر الحكم بينهم لعقود، ولكن، الدلائل تشير إلى مفاجأة غير متوقعة حينما تفرز نتائج الصندوق.
فبايدن الذي يسعى لتأمين فترة رئاسية جديدة، كان يبني فريقه الانتخابي طموحاته وآماله على الناخبين العرب والمسلمين الذين لن يصوتوا للرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي اتخذ في حملتيه الرئاسيتين نهجا شعبويا، في أغلبه مبني على الإسلاموفوبيا. ولكن بعد نصف عام من طوفان الاقصى، لم يعد الرئيس الحالي الأمريكي هو الخيار الأوضح. ففي مارس ٢٠٢٤، زار الرئيس الأمريكي مدينة شيكاغو الأمريكية ضمن الانتخابات التحضيرية للحزب الديمقراطي، ورفض خلال تلك الزيارة عدد ٤٠ من القادة المجتمعيين من أصول عربية أو مسلمة لقاء الرئيس، وذلك احتجاجا على تمويل إدارته للإبادة الجماعية – على حد تعبيرهم.
وبالنظر إلى النتائج الانتخابية السابقة، قد نكتشف أن الرئيس الديمقراطي في مأزق، وهذا ما لاحظه ترامب و بدأ باستغلاله في خطاباته.
فدونالد ترامب المعروف بدعمه لإسرائيل وصال في جولات مكوكية بين دول عربية عدة لتحقيق الاتفاقات الإبراهيمية خلال فترة رئاسته، وتكللت مجهوداته بتوقيع ما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، أصبح اليوم يصرح في مؤتمراته الانتخابية بأنه إذا كان في البيت الأبيض اليوم، لما سمح باجتياح بري في قطاع غزة، ويسعى لإتمام عملية السلام في وقت قياسي.
و على صعيد إنجلترا، فقد كانت الانتخابات الاستثنائية على مقعد دائرة روتشديل، مؤشرا لما ستؤول إليه الأوضاع في يناير ٢٠٢٥. فقد استطاع أن يكتسح زعيم حزب العمال الاشتراكي البريطاني، جورج غالاوي، النتائج الانتخابية، متخطيا أصوات حزب العمال والمحافظين مجتمعين. يرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى تبني حملة غالاوي نهجا مناصرا للحق الفلسطيني، وهو ما انعكس على الصندوق وعلى الناخبين الطموحين في ممثل لصوتهم في مجلس العموم البريطاني.
قبل أيام قليلة من نشر المقال، أصيب العالم بحادثة مفجعة في تاريخ الصراعات العسكرية، وهو استهداف طائرات جيش الاحتلال لقافلة إنسانية من العاملين في غزة من المطبخ المركزي العالمي، راح ضحيتها ٧ أشخاص، هم من مواطني بولندا وبريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة وكندا، لتهرب إسرائيل من التعبير عن الأسف عن مقتلهم تحت ذريعة “التحقيقات في ملابسات الحادث”، و هو ما أجج مشاعر الشعوب الغربية أكثر تجاه إسرائيل، ولم يعد من الممكن نعت كل من يُقتل في غزة بالإرهابي أو بالانتساب للمقاومة. وهو ما يقدم عاملا جديدا في لعبة الانتخابات القادمة، فلم تعد الأقليات العربية والمسلمة هي الطرف الأكثر تقلبا، بل أصبح كل ناخب غير مضمون للمرشح المتخذ لسياسة الدعم العمياء للكيان الصهيوني.
حصرنا هنا مثالين هما الأقرب لنرى تبعات الحرب على ما هو أبعد من الشرق الأوسط، فهل يمتد الطوفان لدول أخرى في انتخابات يراها الكثيرون محسومة مسبقا لقطب ما أو لآخر؟!