لماذا لا توجد وزارة شؤون أفريقية في مصر ؟
قد لا يعرف أبناء جيلي أن مصر ساندت قضايا المظلومين بالعالم شرقًا وغربًا، ووقفت بكل إمكانيتها المتواضعة وشعبها العظيم فى وجة القوى الغاشمة فرنسا وبريطانيا العظمى، وسطعت منها شمس الحرية على ربوع الكرة الارضية ولاسيما القارة الأفريقية.
فاحتضنت حركات النضال والتحرير من مشارق الأرض إلى مغاربها دون تمييز إلى لون أو دين أو عرق، وكانت قِبلة الثوار والمناضلين من ربوع الكرة الأرضية.
قد لا يعرف أبناء جيلي أن أفريقيا لم تذق طعم الحرية إلا بنضال مصر لها، فهي التي احتضنت باتريس لومومبا المناضل الكونغولي وحركته، وساندت حزب المؤتمر الأفريقي ضد التمييز العنصرى بقياده زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، ودعمت وروبرت موجابى والحزب الديموقراطي القومي في زيمبابوي من أجل الاستقلال، واحتضنت أبطال وزعماء أفريقيا ومناضليها.
وليس هذا فحسب بل استقبلت على أرضها عظماء وثوار العالم، وكانت محط اهتمام قادة التحرر من جيفارا إلى فيدل كاسترو ونهرو وأحمد ساكارنو وذو الفقار على بوتو ومحمد اقبال حتى تيتو والقائمة لا تنتهي.
قد لا يعرف أبناء جيلي أنه لولا مساندة مصر للثورة الجزائرية لما تنازلت فرنسا عن الجزائر، التي تعتبرها عاصمة ثانية لها، كان كريستيان بينو وزير خارجية فرنسا وقتئذ يقول إن التمرد في الجزائر لا تحركه سوى المساعدات المصرية، فإذا توقفت هذه المساعدات فإن الأمور كلها سوف تهدأ؛ وإبان العدوان الثلاثي على مصر، قال العقيد سي الحواس قائد الولاية السادسة أثناء حرب التحرير الجزائرية: “لو عندنا طائرات لطرنا؛ لو عندنا عصافير لطرنا؛ لو عندنا بواخر لذهبنا؛ إذا انتصرت مصر انتصرت الثورة الجزائرية؛ وإذا انهزمت مصر انهزمت الثورة الجزائرية”، وكان أحمد بن بلة دائمًا يقول مهما قدمنا وقدمت الجزائر لمصر؛ فلن نوفى حق مصر علينا وما قدمته لنا.
قد لا يعرف أبناء جيلي أن انطلاق فكرة التحرير الأفريقية بدأت من القاهرة في منتصف الخمسينيات، حيث وقفت ثورة يوليو بكل القوة مع ثورة الماوماو في كينيا، وساندت ودعمت بكل القوة زعيمها جومو كينياتا، ثم دعمت الكونغو حين أرسلت قوات مصرية إليها لحفظ الاستقرار، إضافة إلى موقفها المعادي والمناهض للنظام العنصري في جنوب أفريقيا، وأقامت مصر علاقات وثيقة مع الدول الأفريقية المستقلة مثل غينيا وغانا ومالي، ﻭﻭﻗﻔﺖ ﻣﺼﺮ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻨﺎﻭﺭﺍﺕ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻟﺘﺴﻮﻳﻒ ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، وقامت بتكوين كتلة الدار البيضاء في إطار دعم لومومبا في الكونغو، التي كانت الدول الاستعمارية قد قررت عدم السماح باستقلالها بسبب ثرواتها الضخمة من الماس؛ حيث كان عدد الدول المحررة قبل قيام ثورة يوليو أربع دول، وبفضل دعم مصر تحررت ثلاثون دولة حتى عام عام 1963، وكانت مصر نواة إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية التي اتخذت من أديس أبابا مقراً لها.
وقبل عام 1960 كان عدد الدول الإفريقية الأعضاء فى الأمم المتحدة بالإضافة لمصر دولتين هما ليبريا وأثيوبيا، أما بعد عام 1960 فقد أخذ عدد الدول يتزايد بالمنظمة الدولية حتى وصل فى أوائل السبعينات إلى 35 دولة، وكان لهذه الدول دور فى تأييد الموقف المصرى وقضية فلسطين فى دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونجحت مصر فى الحصول على موافقة منظمة الوحدة الأفريقية على منح منظمة التحرير الفلسطينية صفة المراقب شأنها شأن حركات التحرير الأفريقية، كما نجحت فى إدراج قضية فلسطين والشرق الأوسط على جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء الأفريقى فى بندين دائمين.
قد لا يعرف أبناء جيلي أن الكنيسة في إثيوبيا كانت تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بل وكانت الكنيسة الأم في مصر ترسل القساوسة للعمل في الكنائس الإثيوبية، وكان للبابا السابق كيرلس علاقات شخصية بالإمبراطور هيلاسلاسي، وكانت تتم دعوته في افتتاح الكنائس في مصر وكان البابا أيضًا يفتتح الكنائس في إثيوبيا؛ مصر كانت لها سلطة روحية على افريقيا ليس فقط تأثير سياسي.
هناك أجيال كاملة في أفريقيا تشكلت على ما جاءها من مصر والهوى الأفريقي كان مصري، نحن لا نلوم إلا أنفسنا وإن لم نعود أدراجنا ونملأ الفراغ الذي تركناه فلن تتسع الأرض الأفريقية لنا.