الرئيسيةمقالات العدلهاجر محمد موسى تكتب: هل نعيش والموازنة العامة عند حد الكفاف؟

هاجر محمد موسى تكتب: هل نعيش والموازنة العامة عند حد الكفاف؟

لا جدال في أن الحق في مستوى معيشي كريم لم يعد مجرد مطلب اجتماعي، بل هو التزام دولي وقانوني، نصت عليه المادة (25) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي أكدت أن لكل فرد الحق في مستوى معيشة كافٍ يحفظ له ولأسرته الصحة والرفاهية، بما يشمل الغذاء والمسكن والملبس والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الأساسية.

ومن هذا المنطلق، يعرّف الاقتصاديون مفهوم “حد الكفاية” باعتباره المستوى من الدخل الذي يمكّن الفرد من إشباع احتياجاته الأساسية، ويضمن له قدرًا من الاستقرار الاقتصادي والقدرة على الإنتاج والإبداع، حتى في حالات التعطل أو العجز المؤقت. ويقع هذا المفهوم في منطقة وسطى بين الفقر المدقع والرفاهية، وهو الحد الأدنى للحياة الآدمية المستقرة.

غير أن المتغيرات الاقتصادية العالمية والإقليمية خلال السنوات الأخيرة، فرضت ضغوطًا استثنائية على الاقتصاد المصري. فقد أدت تداعيات الأزمات الدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، إلى اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالميًا، وانعكس ذلك على أسعار الصرف وأسعار السلع محليًا. كما تزامن ذلك مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، وفي مقدمتها الحرب على قطاع غزة، وما تبعها من أعباء إنسانية واقتصادية تتحملها الدولة المصرية في إطار التزاماتها القومية والإنسانية.

إلى جانب ذلك، واجهت الدولة ضغوطًا إضافية ناتجة عن تدفقات اللاجئين من عدد من الدول المجاورة، في ظل موارد محدودة، فضلًا عن وجود تحديات أمنية واقتصادية معقدة، وتنامي أزمات العملة الأجنبية، وظهور اختلالات في الأسواق، سواء في سوق الصرف أو بعض السلع الاستراتيجية.

في هذا السياق، حاولت الموازنة العامة للدولة الاستمرار في أداء دورها الاجتماعي، من خلال دعم الفئات الأولى بالرعاية عبر برامج الدعم النقدي، ودعم السلع التموينية، وتحمل جزء من تكلفة الطاقة، إلى جانب الاستمرار في تقديم التعليم والخدمات الصحية المجانية. إلا أن اتساع فجوة الأسعار والدخول، وارتفاع معدلات التضخم، أديا إلى تآكل القوة الشرائية لغالبية المواطنين، ودفع قطاعات واسعة من المجتمع إلى العيش عند ما يمكن وصفه بـ “حد الكفاف”، أي الاكتفاء بتلبية متطلبات البقاء الأساسية دون القدرة على الادخار أو تحسين مستوى المعيشة.

ولا يقتصر هذا الوضع على الأفراد فقط، بل يمتد ليشمل الموازنة العامة للدولة ذاتها، التي باتت تتحرك في نطاق ضيق من الخيارات، تحاول من خلاله الموازنة بين تزايد أعباء الإنفاق وثبات أو محدودية الموارد. فالدولة تسعى إلى توجيه إنفاقها بكفاءة أعلى، مع الحفاظ على الدعم الاجتماعي، رغم ما يترتب عليه من أعباء مالية متصاعدة.

وتشير بيانات مشروع موازنة العام المالي 2025/2026 إلى ارتفاع مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية لتصل إلى نحو 742 مليار جنيه، مقارنة بنحو 636 مليار جنيه في العام المالي السابق، بزيادة تقارب 17%. ورغم هذه الزيادة الاسمية، فقد انخفضت نسبة الدعم من إجمالي استخدامات الموازنة إلى نحو 11%، مقارنة بـ 11.5% في العام السابق، ما يعكس تراجع الوزن النسبي للإنفاق الاجتماعي مقابل بنود أخرى.

في المقابل، تستحوذ فوائد وخدمة الدين العام على النصيب الأكبر من الإنفاق الحكومي، وهو ما يحد من قدرة الدولة على التوسع في الإنفاق الاستثماري أو الاجتماعي. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن أعباء الدين، سواء المحلي أو الخارجي، تمثل ضغطًا متزايدًا على الموارد العامة، وتلتهم نسبة كبيرة من الإيرادات الضريبية، الأمر الذي يقيّد خيارات السياسة المالية.

كما أن استمرار الضغوط على سعر الصرف، وما صاحبها في فترات سابقة من وجود سوق موازية للعملة، انعكس سلبًا على الأسعار، وعلى قيمة مدخرات المواطنين، وأضعف القدرة الشرائية، وفاقم من حالة عدم التوازن بين العرض والطلب، سواء في سوق النقد أو السلع.

أما على المستوى الاجتماعي، فوفقًا لآخر بيانات رسمية منشورة لبحث الدخل والإنفاق، بلغت نسبة الفقر في مصر نحو 29.7%، مع وجود تقديرات غير منشورة تشير إلى ارتفاعها في السنوات التالية بفعل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وهو ما يعني أن ملايين المواطنين باتوا عرضة للانزلاق من الطبقة المتوسطة إلى دائرة الفقر أو الهشاشة الاقتصادية.

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن استمرار سياسات رفع الدعم، لا سيما عن المحروقات، دون وجود شبكات أمان اجتماعي كافية أو زيادات حقيقية في الدخول، يؤدي إلى آثار اجتماعية سلبية، ويعمّق الفجوة الطبقية، بدلًا من تحقيق الأهداف الإصلاحية المرجوة.

ومن ثم، فإن الخروج من هذا المأزق يتطلب تبني رؤية اقتصادية أكثر توازنًا، تقوم على:

تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي المنتج.

توسيع دور القطاع الخاص في إطار شراكات عادلة مع الدولة، دون التفريط في الأصول الاستراتيجية.

إعادة الاعتبار للتصنيع والتصدير لتقليل عجز الميزان التجاري.

توفير مصادر مستدامة للعملة الأجنبية.

توجيه الإنفاق العام نحو القطاعات المنتجة والبنية الأساسية ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي.

إن تحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وضمان عدالة توزيع أعباء الإصلاح وعوائده. وحتى يتحقق ذلك، سيظل السؤال مطروحًا بإلحاح:

هل نعيش – نحن والموازنة العامة – عند حد الكفاف؟ #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة