نعلم جميعًا أن السلطة هي الاستخدام الشرعي للقوة بطريقة مقبولة اجتماعيًا، وهي القوة الشرعية التي يمارسها شخص على الآخرين.
ويعد عنصر الشرعية عنصرًا هامًا لفكرة السلطة، وهو الوسيلة الأساسية التي تتمايز بها السلطة عن مفاهيم القوة الأخرى الأكثر عمومية.
ومن هذا التعريف المبسط لمفهوم السلطة ننتقل إلى مفهوم القائد باختلاف تسميته، باختلاف المكان من ( قائد – رئيس – مدير … الخ )، ينقسم القادة إلى عدة أنواع حسب المصدر المستمد منه السلطة أو الآلية التي انتقلت إليهم بها السلطة وهم كالتالي :-
- النوع الأول: وهم القادة القانونيين أو الشرعيين، وتستمد سلطة هذا النوع من السلطة التي تعتمد على شرعية القواعد الرسمية والقوانين المعمول بها في الدولة، وعادة ما تكون شديدة التعقيد، كما تكون قوة السلطة القانونية منصوصًا عليها في الدستور.
تعتمد المجتمعات الحديثة على السلطة القانونية، والمسئولون الحكوميون هم أفضل مثال على ذلك النوع من السلطة، وهو سائد في جميع أرجاء العالم وهو النوع المثالي لتحقيق فكرة الديمقراطية، وإعطاء الحريات للشعوب باختيار مصيرها، ويتيح إمكانية التعديل في الأنظمة حال مخالفة القوانين، أو الخطط المنتخبين على أساسها.
- النوع الثاني وهم القادة التقليديين وسلطتهم مستمدة من العادات والتقاليد الراسخة والهياكل الاجتماعية، وعند تداول السلطة من جيل لآخر، فإن هذا يطلق عليه السلطة التقليدية، والحق في توريث الملوك للحكم مثل أسرة آل سعود في المملكة العربية السعودية وسلالة العلويين الفيلاليين في المغرب، وهو نوع مقبول نسبيًا رغم تقيده لجزء كبير من الديموقراطية وحاولت الشعوب الالتفاف ظاهريًا على هذا النوع، بجعل نظام الحكم وزاري ويبقى الملك كمنصب شرفي، أو تعزيز دور البرلمان فى حالة ما أصر الملك على إدارة زمام الحكم بنفسه وفى كلا الأحوال لا بأس به مادام يحقق الرخاء لشعبه.
- النوع الثالث هم القادة الكاريزماتين، وهنا تلعب شخصية الفرد أو القائد دورًا هامًا، فالسلطة الكاريزماتية هي السلطة المستمدة من الموهبة، أو عندما يدعي القائد أنه يستمد سلطته من قوة إلهية أو إلهام أو وحي، يفوق صلاحية السلطة التقليدية والسلطة القانونية، وهم النوع الأخطر على الإطلاق سواء على أنفسهم أو على المتسلطين عليهم، حيث يرفض القائد المُلهم السماع لأي رأي يعارض رأيه ويتخذ أحكام هوائية، فهو دكتاتور معصوم من الخطأ ويعلم ما لا يعلمه العامة وبدوره يتدخل في جميع قرارات الحكومة ويقزم دور البرلمان والسلطات التشريعية وينفرد بحكم الرجل الواحد.
الجميع يعلم مساوىء الشخصية الكاريزماتية لكن لا يتطرق الكثير إلى كيفية تكوين الشخصية الكاريزماتية أو كيف يُصنع الدكتاتور إن صح التعبير، لا يوجد نظام أو شعب على وجه الأرض يقبل الشخصية الديكتاتورية، بل دائمًا هى من تفرض نفسها على الأنظمة والشعوب وبعد الدرس والتدقيق في شخصيات أسوأ الدكتاتوريين على الاطلاق مثل هتلر وموسوليني وستالين، نجد أنهم صعدوا إلى سدة الحكم كأبطال شعبيين وقادة طبيعين محمولين على أكتاف شعوبهم، ثم تحولوا الى النموذج الذي نعرفه جميعًا اليوم. جميعهم وقعوا في فخ تجسد السلطة في شخوصهم .!!
مما لاشك فيه أن للسلطة بريق وشيطان يغوي ولم يكن أبدًا طول فترة التواجد في السلطة هى المقياس لفساد حاكم أو لا فهناك من حكم فترات طويلة وكانت أزهى عصور الحكم كالسلطان سليمان القانوني صاحب أكبر توسع للدولة العثمانية وأقوى عصورها على الاطلاق وجلس على الحكم قرابة ٤٦ سنة حتى وفاته.
إذا فهناك أسباب أخرى وراء هذا التحول الكبير وأكاد أجزم أن تجسد السلطة في شخص الحاكم هي أهم هذه الأسباب فبدلًا من أن يطفى القائد لمسة من شخصيته المميزة والمحبوبة على أسلوب حكمه تنقلب معه الآية ويتقمص شخصية السلطة فيتكلف في كل معاملاته يتجنب التبسم للعامة ويصبح دائمًا عابس الوجه كأنه يطفى نوع من الحزم والجدية على شخصيته اعتقادًا منه انه يستجلب الهيبة والمكانة وعلى النقيض يخسرها، وتسلبه السلطة يوم بعد يوم أجزاء من شخصيته ومزاحه وملاطفته، وتضع مكانها حجرًا تلو حجر حتى يتحول فى نهاية المطاف الى شخص تحكمه السلطة وليس العكس.
إن أخطر فخ يستدرج القادة ضِعاف الشخصية هو أن يتلبس بجنون العظمة ويُهيأ له حب الناس بانقياد أعمي والتأييد بطاعة مُطلقة والثقة بالعصمة من الخطأ، وغالباً ما تنتهى هذه النماذج سريعاً بانهيار نظم حكمهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية فلا يقدر حتى أن يلوم نفسه وقد تنزه عن الخطأ، فيسند الأمر الى من يستطيع أن يلوم عليهم ودون أن يتعلق بفرصة النجاة الأخيرة فيسند الأمر إلى أهل الثقة والقُربى دون أهل الخبرة والعلم ، فيزداد الأمر سوءً وتتسارع وتيرة النهاية الحتمية.