الرئيسيةمقالات العدلمحمد عطية يكتب: من التزامات إلى إنجازات .. هل يتحول التعاون الثلاثي...

محمد عطية يكتب: من التزامات إلى إنجازات .. هل يتحول التعاون الثلاثي في شرق المتوسط إلى واقع في ظل التحديات الحالية؟

تُمثِّل القمة العاشرة لآلية التعاون الثلاثي، التي انعقدت مؤخرًا في القاهرة بين مصر وقبرص واليونان، علامة فارقة في التعاون الإقليمي. ركزت القمة على التكامل الاقتصادي وأمن الطاقة، مما أبرز إمكانيات دول البحر المتوسط في قيادة القضايا العالمية الحرجة مثل التنمية المستدامة، الطاقة المتجددة، والاستقرار الجيوسياسي.
أكدت القمة على التزام الدول الثلاث بتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية من خلال التركيز على التجارة، الاستثمار، والتنمية المستدامة. هذا النهج يهدف إلى تقديم نموذج للتعاون الإقليمي في عالم يتسم بالاعتماد المتبادل. ومع ذلك، يبقى السؤال: كيف يمكن تحويل هذه الالتزامات إلى مبادرات قابلة للتنفيذ؟
رؤية مصر لربط مجتمعات الأعمال بالدول الثلاث تتطلب منصات قوية مثل المنتديات التجارية، المشاريع المشتركة، وتنظيم القوانين العابرة للحدود. في هذا السياق، شددت القمة على أهمية تعزيز منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) باعتباره منصة محورية لتنسيق الجهود وتحقيق التكامل الإقليمي.
المشاريع الإقليمية الكبرى مثل مشروع الربط الكهربائي بين أوروبا وأفريقيا (EuroAfrica Interconnector) ومبادرة GREGY تُبرز الإمكانيات الضخمة للتعاون الثلاثي. مشروع GREGY، على سبيل المثال، يهدف إلى نقل 100% من الطاقة النظيفة من مصر إلى اليونان عبر كابل بحري بقدرة 3,000 ميجاوات وطول 950 كم. بالمثل، يهدف مشروع EuroAfrica Interconnector إلى ربط شبكات الكهرباء بين مصر، قبرص، واليونان بكابل بحري طوله 1,396 كم وقدرة 2,000 ميجاوات.
رغم طموحات هذه المشاريع، تواجه العديد من التحديات التي تحتاج إلى معالجة لضمان نجاحها. التفاوت الإقليمي يُعد أحد أبرز هذه التحديات، حيث يثار تساؤل حول مدى قدرة هذه المشاريع على تحقيق فوائد اقتصادية دون تفاقم عدم المساواة بين المناطق. من جهة أخرى، يمثل الابتكار التكنولوجي تحديًا مهمًا، إذ يجب أن تُحفز هذه المشاريع تطوير تقنيات جديدة للطاقة المتجددة بدلاً من أن تظل مجرد رمز للإمكانات غير المحققة. كذلك، لا يمكن إغفال التوترات الجيوسياسية التي قد تُعرقل التعاون وتزيد من صعوبة ضمان الحماية البيئية.
يُعد منتدى غاز شرق المتوسط منصة رئيسية لدعم التعاون الإقليمي، حيث يساهم في تنسيق الجهود لاستغلال الثروات الغازية بشكل أكثر فعالية. كما يسهم في تطوير البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز وتصديره إلى الأسواق العالمية، مما يعزز فرص الاستثمار ويزيد العائدات الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يعمل المنتدى على تحسين أمن الطاقة للدول الأعضاء من خلال توفير الغاز بأسعار تنافسية وتقليل الاعتماد على الواردات الخارجية. ومن أبرز أدواره جذب استثمارات القطاع الخاص والمؤسسات المالية الدولية، مما يزيد من القدرة التنافسية للموارد الغازية في شرق المتوسط.
لتعزيز مصداقية التعاون الثلاثي، يمكن النظر إلى نماذج دولية ناجحة، مثل التعاون في بحر الشمال بين دول أوروبا الغربية لتطوير البنية التحتية للطاقة الرياح البحرية. هذه النماذج تُظهِر كيف يمكن للتعاون الإقليمي أن يُثمر عند وجود رؤية مشتركة وتنفيذ فعَّال.
تعزيز الشفافية والتنفيذ يمثل أحد أهم الجوانب، ويتطلب إنشاء فرق عمل مشتركة لضمان المتابعة الدقيقة للمشاريع الكبرى. الابتكار المشترك ضرورة ملحة، ويمكن تحقيقه عبر إنشاء مراكز أبحاث مشتركة لتطوير تقنيات جديدة في مجال الطاقة المتجددة. إشراك القطاع الخاص عنصر حيوي لتحقيق النجاح، ويُمكن تصميم حوافز لجذب الاستثمارات من القطاع الخاص لدعم المشاريع الإقليمية. لتحقيق التوازن بين الاقتصاد والبيئة، يجب وضع سياسات تنظيمية تُحقق هذا التوازن وتدعم استدامة المشاريع.
تُبرز القمة العاشرة للتعاون الثلاثي بين مصر، قبرص، واليونان الإمكانيات الهائلة للتعاون الإقليمي في تحقيق أمن الطاقة والتنمية المستدامة. ومع ذلك، يبقى التنفيذ هو الاختبار الحقيقي. التحديات الجيوسياسية، حماية البيئة، وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الإقليمية تستدعي حوارًا مستمرًا وابتكارًا. إذا نجحت هذه الشراكة في التغلب على العقبات، فإنها ستحقق تغييرًا جذريًا يُعيد تعريف التعاون الإقليمي، مما يجعل شرق المتوسط نموذجًا عالميًا للتعاون في عصر مليء بالتحديات.

حزبالعدل #صوتالطبقةالمتوسطة #العدلهو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة