تواجه مصر في يونيو 2025 أزمة طاقة حادة، تفاقمت بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي من إسرائيل نتيجة التوترات الإقليمية بين إسرائيل وإيران. أدى هذا التوقف إلى نقص في الغاز، مما أثر على القطاعات الصناعية، خاصة مصانع الأسمدة والبتروكيماويات، وزاد الضغط على شبكة الكهرباء الوطنية. في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا وتحديات تشغيل وحدات التغويز، تسعى الحكومة إلى احتواء الأزمة عبر خطط طوارئ وعقود طويلة الأمد. في هذا المقال، نستعرض واقع الأزمة، الإجراءات الحكومية، الحلول المقترحة، ودور المواطن المصري في ترشيد استهلاك الكهرباء لتخفيف الضغط على النظام.
في 13 يونيو 2025، تصاعدت التوترات الإقليمية بعد أحداث عسكرية بين إسرائيل وإيران، مما أثر على أسواق الطاقة العالمية. ارتفع سعر خام برنت بنسبة 7% ليصل إلى 74.23 دولارًا للبرميل، وخام غرب تكساس الوسيط بنسبة 7.26% إلى 72.98 دولارًا، في أكبر زيادة يومية منذ مارس 2022. كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنحو 3% في الولايات المتحدة و5% في أوروبا، لتصل إلى أعلى مستوى في عشرة أسابيع. أثارت هذه الأحداث مخاوف من تعطل إمدادات النفط عبر مضيق هرمز، الذي يمر عبره ثلث النفط العالمي، مما قد يرفع الأسعار إلى 150 دولارًا للبرميل، لكن هذا السيناريو يظل غير مرجح بفضل القدرات الاحتياطية لدول أوبك+ وزيادة إنتاج الولايات المتحدة.
في هذا السياق، أوقفت إسرائيل إمدادات الغاز إلى مصر بعد إغلاق حقولها الرئيسية، مثل ليفياثان، كإجراء احترازي. كانت مصر تستورد حوالي 800 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الإسرائيلي، وهو جزء حيوي من احتياجاتها لتوليد الكهرباء والصناعة. أدى هذا التوقف إلى توقف عمليات مصانع الأسمدة والبتروكيماويات، مما يهدد سلاسل الإمداد الزراعية، وزيادة الاعتماد على المازوت والسولار في محطات الكهرباء، مما رفع التكاليف التشغيلية وأثار مخاوف بيئية. كما يواجه الاقتصاد المصري ضغوطًا إضافية بسبب انخفاض إيرادات قناة السويس بقيمة 7 مليارات دولار نتيجة تغيير مسارات الشحن.
أعلنت وزارة البترول في 13 يونيو 2025 عن خطة طوارئ لإدارة الأزمة، تضمنت إعطاء الأولوية لتوليد الكهرباء على حساب الصناعات غير الحيوية، مما أدى إلى توقف مصانع الأسمدة، وزيادة استخدام المازوت والسولار لتشغيل محطات الكهرباء، وإعادة توزيع الموارد لتجنب انقطاعات الكهرباء قدر الإمكان. في اليوم التالي، أكد المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن تخفيض الغاز عن المصانع مؤقت، مشيرًا إلى جهود الحكومة لتجنب انقطاعات الكهرباء وتسريع تشغيل وحدات التغويز، مع طمأنة المواطنين بأن الخدمات الأساسية ستظل متاحة.
تعمل الحكومة على توسيع البنية التحتية لاستيراد الغاز المسال عبر وحدات تغويز عائمة. وحدة Energos Power تعمل حاليًا في الإسكندرية بطاقة 750 مليون قدم مكعب يوميًا، بينما تُجهز وحدتا Energos Eskimo وEnergos Gazi للتشغيل في يوليو 2025 بنفس الطاقة، ومن المقرر تشغيل وحدة Hoegh Gandria في 2026 بطاقة 1000 مليون قدم مكعب يوميًا. لكن تأخر تجهيز الوحدتين بسبب نقص البنية التحتية أدى إلى تراكم 4 شحنات غاز في العين السخنة دون معالجة، مما يعيق تلبية الطلب المحلي البالغ 6.3-6.4 مليار قدم مكعب يوميًا. تشغيل الوحدات الأربع سيوفر 3.25 مليار قدم مكعب يوميًا، مما يقلل مخاطر انقطاعات الكهرباء، لكن ذلك يتطلب تسريع ربط الوحدات بالشبكة، وتطوير الموانئ، وتدريب الكوادر الفنية.
لتأمين إمدادات الغاز، وقّعت مصر عقودًا طويلة الأمد، أبرزها عقد مع قطر لمدة سنتين ونصف لتوريد 125 شحنة سنويًا بقيمة 3 مليارات دولار، يوفر 500 ألف دولار شهريًا مقارنة بالسوق الفورية. كما شملت العقود اتفاقية لمدة 10 سنوات مع Höegh Evi لتشغيل Hoegh Gandria، وأخرى مع New Fortress Energy لتشغيل Energos Eskimo، إلى جانب عقد مع شل وتوتال لشراء 60 شحنة في 2025، واتفاق مع أرامكو وفيتول لشراء 150-160 شحنة حتى 2026 بقيمة 8 مليارات دولار، ومفاوضات لتوريد 494 شحنة حتى 2028. تهدف هذه العقود إلى تقليل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي وتأمين الاحتياجات المحلية.
يحمل المواطن المصري مسؤولية كبيرة في تخفيف الضغط على شبكة الكهرباء من خلال ترشيد الاستهلاك، وهو دور لا يقل أهمية عن الجهود الحكومية. يمكن لكل فرد المساهمة بإطفاء الأجهزة الكهربائية غير الضرورية، خاصة خلال ساعات الذروة من الظهر إلى السادسة مساءً، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء بشكل كبير. استخدام مصابيح LED وأجهزة ذات كفاءة طاقة عالية، مثل تلك المصنفة A++، يقلل الاستهلاك دون التأثير على جودة الحياة. ضبط أجهزة التكييف على درجات حرارة معتدلة بين 24 و26 مئوية يوفر كميات كبيرة من الطاقة، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على التكييف خلال الصيف. الاستفادة من الإضاءة الطبيعية عبر فتح النوافذ خلال النهار تقلل الاعتماد على الإضاءة الكهربائية.
علاوة على ذلك، يمكن للمواطنين تعزيز التوعية المجتمعية من خلال حث الأهل والجيران على تبني عادات الترشيد، سواء في المنازل أو أماكن العمل. تنظيم حملات توعية محلية، بالتعاون مع المدارس والجمعيات الأهلية، يساهم في نشر ثقافة الاستهلاك المستدام. استخدام الأجهزة الكهربائية في أوقات خارج الذروة، مثل تشغيل الغسالات أو السخانات في الصباح الباكر أو المساء المتأخر، يخفف العبء على الشبكة. كما يُنصح بفصل الأجهزة عن مصادر الطاقة عند عدم الاستخدام لتجنب استهلاك الطاقة الخفي. إذا قلل كل مواطن استهلاكه بنسبة 10-15%، فإن ذلك سيوفر مئات الميجاوات يوميًا، مما يعزز استقرار الشبكة ويقلل الحاجة إلى انقطاعات الكهرباء. هذا الدور الجماعي يعكس روح التكافل المصري، حيث يصبح كل فرد جزءًا من الحل في مواجهة الأزمة.
تواجه مصر أزمة غاز معقدة، لكن جهود الحكومة عبر خطط الطوارئ، والعقود طويلة الأمد، وتشغيل وحدات التغويز تشكل خطوات واعدة. رغم ذلك، فإن تأخر تجهيز الوحدات يتطلب متابعة مكثفة واستثمارات في البنية التحتية. يبقى المواطن شريكًا أساسيًا من خلال ترشيد استهلاك الكهرباء، مما يساهم في استقرار النظام وتخفيف الضغط على الموارد. بالتكاتف بين الحكومة والمواطنين، يمكن تجاوز هذه الأزمة وبناء مستقبل طاقة مستدام. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
