تُعد مصر من الدول الزراعية الكبرى ذات التاريخ العريق في هذا المجال، وتمثل الزراعة فيها ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني. لكن، ومع التغيرات المحلية والدولية، يواجه قطاع الزراعة في مصر تحديات كبيرة، وعلى رأسها أزمة الأسمدة الزراعية التي باتت تشكل تهديدًا مباشرًا للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي معًا.
فالأسمدة ليست مجرد مدخل من مدخلات الإنتاج، بل هي عنصر رئيسي في تعزيز خصوبة التربة ورفع جودة وكمية المحاصيل. لكن مع اختلال ميزان العرض والطلب، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، باتت الأسمدة عبئًا ثقيلاً على كاهل المزارع المصري.
ارتفاع الأسعار، تراجع الإنتاج، وغياب العدالة
إن قلة المعروض من الأسمدة، في ظل الطلب المتزايد، أدى إلى ارتفاع حاد في أسعارها. هذا الارتفاع لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة حتمية لعدة عوامل، من بينها ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي – وهو مكون أساسي في صناعة الأسمدة – فضلًا عن الأعطال الفنية في بعض المصانع المحلية التي تقلل من الإنتاجية. هذا بالإضافة إلى غياب أي استراتيجية واضحة لتصدير الفائض من الأسمدة وتحقيق عوائد بالعملة الأجنبية تدعم الاقتصاد الزراعي.
وفي ظل هذه الفوضى، انتشرت السوق السوداء التي تغذيها بعض الممارسات الاحتكارية والتلاعب من قبل بعض الجمعيات الزراعية، والتي تُفضل فئة من المزارعين على حساب الآخرين، مما يخل بمبدأ العدالة في التوزيع.
غش تجاري وسوء استخدام
المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، فهناك مؤشرات واضحة على وجود غش تجاري في محتوى بعض عبوات الأسمدة، حيث أن الأرقام المكتوبة لا تعكس فعليًا ما بداخل العبوة، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة عن مدى رقابة الجهات المعنية على جودة هذه المنتجات الحيوية.
وما يزيد الأمر سوءًا هو غياب الإرشاد الزراعي، مما يدفع الكثير من المزارعين لاستخدام الأسمدة بشكل عشوائي وغير مدروس، سواء في التوقيت أو الكمية، وهو ما يؤدي إلى تدهور خصوبة التربة بسبب تراكم الأملاح المعدنية، وارتفاع انبعاثات الغازات الضارة التي تسهم في التغير المناخي.
الحل في الرقابة والإرشاد والدعم المستدام
إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة المستمرة، فعلينا أن نبدأ أولًا بتكثيف الرقابة الفعلية على إنتاج وتوزيع الأسمدة، مع فرض عقوبات صارمة على من يثبت تلاعبه بالمحتوى أو السعر.
كما نحتاج إلى إعادة إحياء دور المرشد الزراعي، لا باعتباره موظفًا حكوميًا، بل كحلقة وصل علمية وتوعوية بين الدولة والمزارع. لا بد أن نُرشد الفلاح المصري نحو الاستخدام السليم للأسمدة، ونوجهه إلى تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية لصالح الأسمدة العضوية، التي أثبتت كفاءتها في الحفاظ على صحة التربة والبيئة.
ويجب كذلك إجراء تحاليل دورية للتربة الزراعية لتحديد احتياجاتها الدقيقة، بما يضمن الاستخدام الأمثل للعناصر الغذائية دون هدر أو ضرر.
حماية المزارع… حماية لمستقبل الوطن
في نهاية المطاف، إن حماية قطاع الزراعة هو حماية لمستقبل هذا الوطن. والمزارع المصري، الذي يُعد من أكثر المزارعين اجتهادًا وبراعة في العالم، يستحق أن نوفر له بيئة إنتاجية آمنة وعادلة. فلا تنمية حقيقية دون أمن غذائي، ولا أمن غذائي دون تربة خصبة، ولا تربة خصبة دون أسمدة سليمة وإرشاد واعٍ.
إن الأزمة الحالية ليست قدرًا محتومًا، بل نتيجة لخلل يمكن إصلاحه بالإرادة والرقابة والعدالة. فهل نبدأ؟!
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
