محمد الدغيدي |يكتب…
فقير بأمر الحكومة
عندما يصل الموظف المصري إلى سن التقاعد بعد سنوات طويلة من العمل، ويقترب من السبعين من عمره، ويتقاضى معاشًا شهريًا قد لا يتجاوز 3500 جنيه بعد أكثر من 25 عامًا في وظيفته الحكومية، ألا يعد هذا فقيرًا؟ حينما يبلغ هذه المرحلة من العمر ويجد نفسه غير قادر على تلبية احتياجات الحياة اليومية له ولزوجته المسنة، ألا يعد فقيرًا؟
نعم، هذا هو الواقع المرير الذي يواجهه الكثيرون من المتقاعدين، حينما يصعب عليهم تقديم المساعدة لأسرهم في زمن الأزمات المتفاقمة، وعندما تصبح تكاليف الزواج لأبنائهم عبئًا لا يحتملونه. إنها حالة تجبرهم على الاستدانة والاقتراض، مما يجعلهم يقضون ما تبقى من عمرهم في عبء الديون، لكي لا يظهروا عاجزين في عيون أبنائهم. هذا هو الفقر بجميع تفاصيله ومعانيه، فهو ليس فقط افتقارًا للمال، بل هو انعدام القدرة على تحمل العبء المالي والعاطفي لإسعاد الأسرة وتأمين مستقبلها.
عندما يصبح شراء كيلو لحم في عيد الأضحى 500 جنيه، وهو مبلغ يمثل نسبة كبيرة تقريبًا 14% من معاشه الشهري، فهذا يعني عدم قدرته على تحمل تكاليف الحياة بشكل كافٍ ومريح،وعندما لا يتمكن من شراء الأدوية الشهرية التي يحتاجها، وحينما يحتاج إلى عملية جراحية تكلفتها تتجاوز الخمسين ألف جنيه ولا يجد في مدخراته سوى مئات الجنيهات التي لا تكفي حتى لاستشارة الطبيب، ألا يعد هذا فقيرًا؟
المعاش الشهري البالغ 3500 جنيه يتوزع على مصروفات الطعام والسكن وفواتير الكهرباء والمياه والغاز، بالإضافة إلى تكاليف الانتقالات، مما لا يترك أي مجال لتغطية النفقات الطارئة أو الاحتياجات الطبية.
فقير بأمر الحكومة، بعد أن أفنى عمره وشبابه في خدمتها، ينتهي به المطاف أن يقضي يومه بوجبة إفطار متأخرة ووجبة غداء متأخرة حتى لا ينام والجوع يمسك به. نعم، هو فقير بأمر الحكومة.
حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، التي فشلت في حل الأزمة الاقتصادية طيلة السنوات الست الماضية، لم تتمكن من توفير حياة كريمة وآمنة لهذا الرجل، وتسببت في أزمات اقتصادية جعلته غير قادر على العيش بمعاشه الشهري.
ختامًا، حال هذا الرجل الذي كرس حياته في وظيفته هو حال الكثيرين من أبناء هذا الوطن من الشباب ومن أصحاب المعاشات والأرامل والمطلقات والأيتام وغيرهم. ألا يستحق المواطن المصري أن يعيش بقية أيامه بكرامة وراحة، بعيدًا عن الفقر والحاجة؟ فالحكومة التي عجزت عن منحه هذه الحياة الكريمة هي التي جعلته فقيرًا بأمرها وسياستها الخاطئة وفشلها في التصدي للأزمات الاقتصادية.