تمثّل الإدارة المحلية إحدى الركائز الأساسية لأي دولة تسعى إلى تحسين جودة الخدمات العامة، وتحقيق تنمية حقيقية يشعر بها المواطن في حياته اليومية. وفي مصر، ظلّ الإطار التشريعي المنظّم للإدارة المحلية قائمًا على قانون قديم لم يعد قادرًا على مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة. ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى إصدار قانون إدارة محلية جديد يعيد صياغة العلاقة بين المركز والمحليات، ويمنح الوحدات المحلية القدرة الفعلية على التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
أولًا: لماذا نحتاج إلى قانون جديد للإدارة المحلية؟
1. قِدَم التشريع وعدم مواكبته لواقع الدولة الحديثة
القانون الحالي يعود إلى السبعينيات، وهي فترة تختلف جذريًا عن العصر الحالي من حيث حجم المدن، ودرجة التحضّر، وطبيعة الخدمات، ودور التكنولوجيا. ومع هذا التغير الكبير، لم يعد التشريع القديم قادرًا على تلبية متطلبات إدارة فعّالة
2. مركزية مفرطة تُبطئ عملية اتخاذ القرار
تعاني الوحدات المحلية من ضعف استقلاليتها، إذ تظل معظم القرارات المهمة مرهونة بالسلطات المركزية في الوزارات. هذا النمط يخلق بطئًا في الاستجابة لمشكلات المواطنين ويحدّ من قدرة المحافظات على وضع حلول مبتكرة تتناسب مع ظروفها.
3. غياب المجالس المحلية المنتخبة
توقّف الانتخابات المحلية منذ سنوات طويلة، ما أحدث فراغًا رقابيًا وتشريعيًا محليًا، وأفقد المواطنين إحدى أدوات المشاركة الحقيقية في صنع القرار. القانون الجديد يجب أن يعيد الحياة لهذه المجالس بشكل فعّال وقادر على ممارسة دوره.
4. ضعف الموارد المالية والاستقلال المالي
لا تزال المحليات تعتمد بشكل شبه كامل على الموازنة العامة للدولة، مما يجعلها عاجزة عن تنفيذ خطط تنموية محلية متكاملة. القانون الجديد ينبغي أن يُعيد هيكلة الموارد المالية للمحليات بما يضمن لها الاستدامة والقدرة على التمويل الذاتي.
5. الحاجة إلى جهاز إداري أكثر كفاءة ومرونة
التطور التكنولوجي لم يعد يرحم الأنظمة البيروقراطية التقليدية. لذلك، فإن الإدارة المحلية تحتاج إلى قانون يضمن تطوير الهياكل الإدارية، واعتماد التحول الرقمي، وتحسين مستوى الخدمة للمواطنين
ثانيًا: ما المقترحات الأساسية التي يجب تضمينها في قانون الإدارة المحلية الجديد؟
1. ترسيخ مبادئ اللامركزية المتدرجة
أن يمنح القانون سلطات واضحة ومحددة للمحافظات والمراكز والأحياء، مع تحميل كل مستوى مسؤولية تنفيذية حقيقية. اللامركزية هنا لا تعني الانفصال، بل تعني توزيعًا رشيدًا للسلطات والموارد.
2. انتخاب مجالس محلية قوية بصلاحيات حقيقية
ينبغي أن يتم انتخاب المجالس المحلية بطريقة تضمن تمثيلًا عادلًا وفعّالًا، وأن يمنحها القانون صلاحيات رقابية وتشريعية محلية تمكّنها من محاسبة التنفيذيين ومتابعة خطط التنمية.
3. تعزيز الاستقلال المالي للمحليات
يجب أن يشمل القانون آليات جديدة للتمويل المحلي، مثل:
– تحسين نظام الضرائب والرسوم المحلية.
– تخصيص جزء من الموارد السيادية للمحليات.
– تمكين المحافظات من إنشاء مشروعات تنموية ذات عائد مباشر.
4. اعتماد التخطيط المحلي المتكامل
أن يمنح القانون المحافظات الحق في إعداد خططها التنموية وفقًا لاحتياجاتها، مع وجود إطار تنسيقي يربط بين الخطط المحلية والخطة العامة للدولة.
5. تطوير الهياكل الإدارية والتحوّل الرقمي
ينبغي أن يُلزم القانون المحليات بتبنّي أنظمة إدارة حديثة تعتمد على الشفافية والحوكمة والتحول الرقمي في تقديم الخدمات، بما يقلّل من البيروقراطية ويرفع مستوى رضا المواطنين.
6. آليات رقابة فعّالة وشفافة
يتضمّن القانون وجود أجهزة رقابية محلية تضمن الشفافية في الإنفاق وفي تنفيذ المشروعات، وتربط بين المسؤولية والمساءلة بشكل مباشر.
7. تمكين المجتمع المحلي من المشاركة
من الضروري فتح قنوات رسمية للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في اتخاذ القرار المحلي، سواء من خلال جلسات استماع أو منصّات رقمية أو مبادرات تشاركية.
إن إصدار قانون جديد للإدارة المحلية لم يعد مجرد خطوة تشريعية، بل ضرورة أساسية لضمان تحسين مستوى الخدمات العامة وتعزيز كفاءة الأجهزة المحلية في الاستجابة لاحتياجات المواطنين. وفي حزب العدل كانت — ولا تزال — من أولوياتنا رفع جودة الخدمات وتفعيل الرقابة الشعبية، إيمانًا بأن المشاركة المجتمعية والشفافية هما الأساس الحقيقي لبناء إدارة محلية فعّالة ومتنمية.
وقد انعكس هذا الالتزام من خلال مشروعَي قانون قدّمهما حزب العدل، سواء داخل البرلمان أو في جلسات الحوار الوطني، أحدهما متعلق بنظام الإدارة المحلية والآخر بشأن تنظيم المجالس المحلية المنتخبة، وهما مشروعان يهدفان إلى تمكين الوحدات المحلية، وتوسيع نطاق اللامركزية، ودعم المجالس المنتخبة بصلاحيات تضمن لها القيام بدورها الرقابي والخدمي على الوجه الأمثل، وسيواصل الحزب العمل على هذا الملف في الفصل التشريعي القادم.
وبناءً على ذلك، فإن القانون الجديد المنتظر ينبغي أن يترجم هذه المبادئ والمقترحات إلى إطار تشريعي واضح يساهم في بناء إدارة محلية قوية، أكثر قدرة على التخطيط والتنفيذ، وأقرب إلى المواطن، بما يعزّز مسار التنمية المستدامة ويحقق العدالة في توزيع الخدمات على نحو واقعي وفعّال.
#حزب_العدل#العدل_هو_الأمل#صوت_الطبقة_المتوسطة




