الرئيسيةمقالات العدلعلي ابو حميدعلي أبو حميد يكتب: التصويت ليس امتيازًا… والوعي السياسي لا يُختزل في...

علي أبو حميد يكتب: التصويت ليس امتيازًا… والوعي السياسي لا يُختزل في شهادة

تظهر بين وقت وآخر دعوات تتزيّن بشعارات الإصلاح، لكنها في حقيقتها تحمل قدرًا كبيرًا من التعالي والإقصاء. من بينها أطروحات تدعو إلى قصر أو توجيه التصويت لصالح ما يُعرف بـ«حملة المؤهلات العليا»، باعتبارهم – وفق هذا المنطق – الأكثر وعيًا وقدرة على الاختيار السياسي الصحيح.

والحقيقة أن هذه الدعوات تثير السخرية بقدر ما تثير القلق؛ فهي تتجاهل الواقع من جهة، وتمس جوهر الحق السياسي من جهة أخرى، وتفتح الباب أمام إقصاء أغلبية المواطنين بدعوى زائفة عن الوعي والفهم.

أولًا: التصويت حق أصيل لا يُجزّأ

الحق في التصويت ليس مكافأة على مستوى تعليمي، ولا امتيازًا اجتماعيًا تمنحه الدولة لفئة وتحجبه عن أخرى، بل هو حق دستوري نابع من المواطنة ذاتها.

فالمساواة السياسية تعني أن صوت المواطن، أيًّا كان مستواه التعليمي أو الاجتماعي، له القيمة نفسها، لأن الدولة لا تُدار بنخبة معزولة، بل تُبنى بمشاركة المجتمع كله.

وأي طرح يُقسّم المواطنين إلى «مؤهلين» و«غير مؤهلين» سياسيًا، هو طرح يناقض فكرة الدولة الحديثة، ويعيد إنتاج منطق الوصاية الذي عانت منه المجتمعات طويلًا.

ثانيًا: الشهادة لا تعني وعيًا سياسيًا

الخلط بين التعليم الأكاديمي والوعي السياسي خطأ شائع، لكنه خطير.

فكم من حملة مؤهلات عليا يفتقدون أبسط أدوات الفهم والتحليل السياسي؟

وفي المقابل، كم من مواطن بسيط، لم ينل تعليمًا جامعيًا، يمتلك وعيًا سياسيًا نابعًا من الخبرة، والاحتكاك المباشر بالواقع، وفهم مصالحه الحقيقية؟

الوعي السياسي لا يُكتسب بورقة شهادة، بل هو نتاج تراكم طويل من التجربة، والمعايشة، والقدرة على الربط بين السياسات وتأثيرها الفعلي على حياة الناس، والشعور بالمصلحة العامة.

ثالثًا: الفوقية السياسية طريق مضمون للفشل

الخطاب الذي يُلمّح أو يُصرّح بأن «غير المتعلمين» غير مؤهلين للاختيار السياسي، هو خطاب يستعدي المجتمع، ويُعمّق الفجوة بين الناس والنخب، ويقضي على أي فرصة لبناء ثقة سياسية حقيقية.

السياسة ليست قاعة محاضرات مغلقة، بل إدارة مصالح مجتمع متنوع في تركيبته وثقافته وخبراته.

ومن لا يحترم هذا التنوع، لا يستطيع تمثيله.

رابعًا: المفارقة الأخطر… حين يُقصي المرشح نفسه

الأكثر غرابة في هذه الأطروحات أن كثيرًا ممن يروّجون لها، ليسوا هم أنفسهم من حملة المؤهلات العليا، أو يعتمدون في حضورهم السياسي ونجاحهم الانتخابي على قواعد جماهيرية واسعة من غير الجامعيين.

فكيف يُطلب من جمهور أن يُقصى نظريًا، بينما يُستدعى عمليًا وقت الحاجة؟

إنها ازدواجية لا يمكن الدفاع عنها سياسيًا ولا أخلاقيًا.

خامسًا: المشكلة الحقيقية ليست في الناخب

بدلًا من البحث عن حلول سهلة وخاطئة، السؤال الحقيقي هو:

لماذا يضعف الوعي السياسي لدى قطاعات واسعة من المجتمع؟

والإجابة معروفة:

تضييق المجال العام، إضعاف الأحزاب، غياب التدريب السياسي الحقيقي، تحجيم النقاش العام، واختزال السياسة في مواسم انتخابية عابرة.

الدولة التي تريد مواطنًا واعيًا لا تُقصيه، بل تُشركه.

سادسًا: الطريق الصحيح… الوعي لا الإقصاء

البديل الحقيقي لا يكون بتصنيف المواطنين، بل بفتح المجال العام أمام الأحزاب دون قيود شكلية، وتمكينها من العمل بين الناس لا داخل المقرات فقط، ودعم التثقيف السياسي المستمر، وتشجيع النقاش العام الحر، واحترام عقل المواطن بدل استصغاره.

فالوعي لا يُفرض من أعلى، بل يُبنى من القاعدة.

سابعًا: الإطار الدستوري والتاريخي

ربط الحق في التصويت بالمؤهل الدراسي يتعارض صراحة مع نصوص الدستور المصري، الذي كفل حق المشاركة السياسية لكل مواطن دون تمييز. كما يتناقض مع التجربة التاريخية المصرية، التي أثبتت أن الوعي السياسي لم يكن يومًا حكرًا على فئة تعليمية بعينها.

فثورة 1919، على سبيل المثال، شارك فيها العمال والفلاحون والحرفيون والطلبة، في وقت كانت فيه الأمية مرتفعة، ومع ذلك تشكّل وعي وطني جامع أسّس للحياة السياسية الحديثة. ولم تعرف الدساتير المصرية المتعاقبة أي محاولة لربط الحقوق السياسية بالمؤهل الدراسي، إدراكًا بأن الإقصاء يُضعف الدولة ولا يحميها.

وعلى المستوى العالمي، تخلّت الدول التي حاولت قصر التصويت على فئات محددة عن هذا النهج، بعدما ثبت فشله، واعترفت بأن التصويت العام هو أساس الشرعية السياسية.

وفي الختام اذكركم

إن تحويل التصويت إلى امتياز نخبوي هو هروب من المشكلة لا حل لها.

والتعالي على الناس لا يصنع وعيًا، بل يصنع قطيعة.

الديمقراطية لا تخاف من صوت المواطن البسيط،

بل تخاف من عقل يظن نفسه أذكى من المجتمع كله.

والسياسة التي تُقصي أغلبية شعبها،

لا تستحق أن تُسمّى سياسة.

#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة