رغم أن مصر تُعد من أغنى دول العالم بالمقومات السياحية—بآثارها الممتدة من الفراعنة إلى الحضارة الإسلامية، وشواطئها على البحرين الأحمر والمتوسط، ومناخها الدافئ المتنوع—إلا أن أعداد السياح الوافدين لا تزال أقل كثيرًا من المتوقع. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا تتناسب حركة السياحة إلى مصر مع حجم ما تمتلكه من كنوز؟
فجوة بين الصورة والتجربة
تشير الإحصائيات إلى أن مصر استقبلت في عام 2023 نحو 13 مليون سائح، في الوقت الذي استقبلت فيه تركيا ما يزيد عن 50 مليون، والإمارات أكثر من 25 مليون، وتايلاند قرابة 39 مليون، وكلها دول لا تملك جزءًا من الإرث التاريخي والثقافي الذي تملكه مصر.
ورغم أن الدولة تضخ ميزانيات كبيرة في حملات دعائية عالمية مثل “This is Egypt”، فإن النتيجة لا تزال دون التوقعات. والسبب لا يكمن في ضعف الدعاية، بل في اتساع الفجوة بين الدعاية والواقع.
من لقطات الإبهار إلى الصدمة الأولى
عندما يشاهد السائح الإعلانات المبهرة، يتوقع تجربة راقية، متكاملة، آمنة. لكن بمجرد وصوله، يصطدم أحيانًا بحقائق على الأرض مثل:
– سوء المعاملة من بعض مقدمي الخدمات.
– التحرش أو الإلحاح المفرط في البيع.
– ضعف مستوى النظافة والنظام في بعض المناطق السياحية.
– غياب مرشدين مدربين.
– سوء التنظيم عند زيارة الأماكن الأثرية.
تجربة سائح ألماني تم تداولها مؤخرًا على موقع “TripAdvisor”، تحدث فيها عن زيارته للأهرامات قائلًا: “كان من المفترض أن تكون لحظة حلم، لكني وجدت فوضى، مضايقات من الباعة، وموقع أثري لا يليق بعظمته”.
وعلّق آخر من فرنسا: “كنت أتوقع أن أرى حضارة، لكنني رأيت قلة نظام، وازدحام مروري حتى عند أبو الهول.”
النشرات الترويجية… لماذا تثير القلق؟
المفارقة أن بعض النشرات الموجهة للأجانب قبل وصولهم تحذرهم من أمور بطريقة تبث الرعب لا التوعية: تحذيرات مبالغ فيها من التعامل مع المواطنين، أو تعليمات مبنية على تصوير أن الشارع المصري غير آمن. وهكذا تتحول النشرة من وسيلة طمأنة إلى أداة نفور.
تجارب دولية: كيف تجاوزت دول أخرى نفس التحديات؟
– المغرب: كانت تعاني من مشاكل مشابهة، ولكنها قامت ببرنامج وطني لتدريب العاملين في السياحة، ومنحت تراخيص مزاولة مرهونة بالكفاءة، وأطلقت شرطة سياحية فعالة لتحمي السائح من التحرش أو النصب.
– فيتنام: طورت “الميكرو إنفراستركشر” حول الأماكن السياحية، يعني البنية التحتية البسيطة مثل اللافتات، دورات المياه، سهولة التنقل.
– الأردن: نجحت في خلق سياحة ناعمة حول “البتراء” و”وادي رم” بتجربة فريدة خالية من المضايقات، تعتمد على المجتمع المحلي الذي يشارك في الربح ويحرص على حسن الاستضافة.
مقترحات عملية عاجلة للنهوض بالسياحة المصرية:
1. إطلاق شرطة سياحية فعالة ومدربة لحماية السائح ومنع أي تجاوزات.
2. إنشاء “هيئة رقابة سياحية” مستقلة تتابع جودة الخدمات وتتلقى شكاوى السياح بشكل مباشر.
3. إعداد كوادر حقيقية في فنون التعامل من المرشدين والبائعين وسائقي التاكسي إلى موظفي الفنادق.
4. تبسيط الدخول والخروج من المعالم الأثرية عبر تذاكر موحدة وتطبيق إلكتروني للتنقل السياحي.
5. تشجيع السياحة المجتمعية التي تدمج المواطن في العملية السياحية كمستفيد وشريك.
6. إعادة النظر في أسلوب الدعاية بحيث تكون أقرب للواقع، مع التركيز على القصص الإنسانية والتجارب البصرية الحقيقية.
7. إطلاق مبادرة “سائح صديقي” في المدارس والجامعات لتعزيز الوعي الشعبي بأهمية السياحة كسلوك وطني.
تعليق اخير
السائح لا يبحث فقط عن موقع أثري، بل عن تجربة متكاملة يشعر فيها بالاحترام، التنظيم، والأمان. والسياحة لا تُبنى بالإعلانات فقط، بل بتجربة تُروى، وبانطباع يبني ثقة تستمر لسنوات.
إذا أردنا مستقبلًا سياحيًا يليق بمصر، فعلينا أولًا أن نتصالح مع واقعنا، ثم نبدأ في تغييره بصدق. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
