مصر شريك فى مهم انتصار فى انتصار الحرب العالمية الأولى،كان ذلك عنوان مقالة للدكتور على الدين هلال فى عام 2018، وكانت بمانسبة مئوية الرحب العالمية الأولى،وقد احتفظت بتلك المقالة المنشورة فى جريدة الأهرام، فتلك أول مرة أعرف ان مصر دخلت أتون حرب ليست طرف فيها، وبعدها كتب د أبوالغار عدة مقالات فى المصرى اليوم قبل ان يصدر كتابه الأخير الفيلق المصرى عن هذا الموضوع،وانه استعان بالوثائق البريطانية ومذكرات بعض الجنود وغيرها ليوثق فترة مهمة سقطت عن عمد من التاريخ المصرى .
ولاشك أننا يجب ان نعرف ماحدث،وما حدث فى تلك الفترة العصيبة،ولماذا تم طمس تلك الفترة وكانها لم تكن،وما دور القوى الوطنية وراء خضوع الحكومة لتحكمات المحتل الإنجليزى وفرض نفوذه وسيطرتة الكاملة على البلاد .
كانت مصر فى تلك الفترة تحت النفوذ الإنجليزى،و المعتمد البريطانى له السيطرة الكاملة على الحكومة المصرية،وصلت إلا تعين مستشار انجليزى فى كل وزارة،وفرضوا على الحكومة ان تدفع نفقات جيش الإحتلال،وضغط الإنفاق،وتقليص ميزانية التعليم،وقام الإنجليز بعمل مشروعات للرى لزيادة مساحة الرقعة الزراعية،حتى يضمنوا تأمين الغذاء لجنودهم.
قامت الحرب عام 1914 و طلبت سلطة الإحتلال من الحكومة المصرية الحياد،وفوضت مصر انجلترا فى إدارة الموانىء المصرية،والدفاع عن مصر وعدم التعامل مع ألمانيا ومن بعدها النمسا، وفرضت الأحكام العرفية،وشددت الرقابة الكاملة على الصحف، وأعلنت الحرب على تركيا،وأوهمت المصريين بانها تدافع عن استقلالها من هيمنة الدولة العثمانية،ثم أعلنت بريطانيا الحماية على مصر،وإلغاء سيادة تركيا تماما،وعزلت الخديوى عباس حلمى الثانى،وعينت مكانه السلطان حسين كامل بدلا منه،وتعاملت بعنف وقسوة مع المظاهرات والمعترضين على فرض هيمنتهم على الدولة المصرية.
واثناء الحرب احتاجت أوربا الكثير من الأيدى العاملة، فجلبت فرنسا الألاف من مستعمراتها، وأرسل اللورد بلفور خطاب للمندوب السامى البريطانى فى مصر بضرورة تجهيز قوة مدنية من فلاحى مصر،للقيام بالأعمال المعاونة للجيوش،من حفر الخنادق،وتمهيد الطرق،وجر المدافع،وعمل خطوط السكك الحديدية، وتوصيل المياة،وكل الأعمال الشاقة بدون استثناء كانوا يقيمون بها.
وبدأ مأمورى المراكز،والعمد والمشايخ فى تنفيذ التوجيهات بإرسال الأعداد المطلوبة منهم الى المراكز تمهيدا لنقلهم الى المعسكرات،كما عينت ضابط انجليزى فى كل مركز ليجمع العدد المطلوب، وكان فى البداية التجنيد اختيارى وتطوعى،وأمام حاجتهم للعمالة وقلة عدد المتطوعين، تحولوا الى التجنيد الإجبارى،واستخدام القوة المفرطة،والمذلة فى عملية جمع الفلاحين،فكانوا يخطفونهم من الأسواق، ويقتحمون بيوتهم،وحقولهم،ثم يساقوا مربطين بالحبال كالعبيد،وسط بكاء أطفالهم ونسائهم وذويهم، ويتسلمهم الضباط الإنجليزى،ليرسلوا الى المجهول فى ثلاث قارات انتشر أبناء مصر المخطوفين قسرا وقهرا الى أروبا واسيا وافريقيا.
ومن نتائج هذا الفعل المهين،فرض العمد على البعض الذى يريد ان يعفى نفسة من هذا الجحيم الإتاوات،و قدمت الرشاوى، وقبلها مأمورى المراكز،وحتى الضباط الإنجليز أنفسهم،وجاع البعض من الفلاحين ليحاول ان يفدى نفسة ليقوم بجمع المبلغ المطلوب لتخليص نفسة .
ولأن تلك الفترة مطموسة من التاريخ المصرى،لأن من ذهب للحرب كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة،ولكنها موجودة بكل تفاصيلها فى الأرشيف البريطانى،فقد تعرض الفلاحيين المصريين الى أمراض خطيرة،ومعاملة سيئة،والضرب بالسياط،فى امتهان صارخ لأدميتهم،وسط موقف مرزى ومخيب من الحكومة المصرية،والتى ألزمتها سلطة الإحتلال بدفع جزء من رواتب جنودنا،وزاد الأمر سوء هو اقراض الحكومة المصرية قرضا لبريطانيا لدفع باقى الرواتب للمخطوفين من أبناء مصر،وتسخير الشرطة المصرية بكاملها فى خدمة بريطانيافى تجميع الأعداد المطلوبة لإرسالهم الى الحرب.
زاد الوضع فى مصر سوء بسبب نقص عدد الفلاحيين،فحدث تبوير فى الأرض الزراعية لأنها لم تجد من يزرعها،وهرب الفلاحيين، ولجأ بعضهم لخدمة السلطة حتى لا يكونوا فى الفيلق، ونقص فى الغذاء،وانتشر الجوع،والفقر،وسرق الإنجليز الحيوانات والحاصلات الزراعية،ومنعوا تجارة الجمال،واستولوا على جمالهم وحميرهم وبغالهم لإستخدامها فى نقل العتاد داخل الصحراء،وواجهوا ثورة الفلاحين داخل القرى بالقتل الذى امتد اثرة الى كل ريف مصر حيث قتل أعداد كبيرة من الفلاحين الذين ثاروا على تلك اللصوصية التى يمارسها الإنجليز بحماية الشرطة وتحت عين الحكومة المصرية.
لذا عندما ظهرت حركة التوكيلات التى يقوضها سعد زغلول لتفويضه هو ورفاقة من الوفد المصرى،كان فلاحيين مصر وقود ثورة 1919، عم الغضب كل ربوع الريف،ثاروا على سرقتهم، وقتل أبنائهم فى بلاد غريبة،وبوار أراضيهم،وسرقه محصولهم،وخطف أبنائهم،والفقر والغلاء،ومارسوا التخريب فى السكك الحديدية والتليفون والتليغراف،وعلىى العمد والمشايخ،وكل من تواطىء فى ذلهم انتقموا منه،وكانت نسبة الجريمة عالية وخصوصا على يد من عادوا من الفيلق ويحملون كل الذكريات السيئة من المعاناه التى عاشوها طوال مدة تجنيدهم الإجبارية وعودتهم بعد انتهاء الحرب .
ويذكر د على الدين ان الأعداد فاقت المليون مصرى، والرافعى يقول أكثر من مليون ومائة الف مصرى سيقوا الى الحرب فى وقت كان تعداد الشعب المصرى لا يتعدى 12 مليون نسمة، مع ان ابوالغار ان الأعداد تخطت النصف مليون بقليل،ولكن فى النهاية مات كثير من المصريين فى تلك الحرب،فمنهم من ذهب قدره الى أروبا فى فرنسا وبلجيكا وايطاليا وبعض جزر البحر المتوسط وتركيا حيث البرد الشديد والثلوج وهم ليسلوا متعودين على هذا المناخ السىء،ولا يتكلمون لغة تلك الشعوب،ولا يعلمون شىء عن عادتهم ولا تقاليدهم،فلبثوا فى خنادقهم وداخل معسكراتهم،أما من ذهب منهم الى فلسطين وسوريا والعراق ولبنان والجبهة الشرقية فى سيناء فكان وضعهم أفضل حالا من غيرهم،فاللغة والدين خففوا عنهم قسوة تلك الأيام،وعاشوا تحت القصف ووطئة الحرب يقوموا بكل ما يكلف اليهم بالترهيب والعقاب.
انتهت الحرب وعاد من كتب له النجاه،وغيرهم كثيرون قتلوا ودفنوا فى بلاد بعيدة،ومنهم لم يعود وعاش حيث انتهى به المطاف فى أرض بعيدة .
ولقد قام المصريون بجهود كبيرة فى تلك الحرب،وحصلوا على إشادة عدد من القادة الإنجليز،لتحكى عن بسالتهم وبطولاتهم واستحقاقهم الأوسمة والنياشين العسكرية التى حصل عليها البعض،فمنهم من حصل على وسام فيكتوريا وهو اعلى وسام بريطانى،زاستقبلت مصر 18 عشر جيشا على أراضيها وفرت لهم كل الدعم من غذاء ولوجستيات.
وكانت ثورة الفلاحين ثورة غضب مما حدث لهم فى تلك الفترة العصيبة وامتزجت بثورة 1919.
ونجحت ثورة 1919 وكفاح الشعب المصرى فى الغاء الحماية البريطانية على مصر،وصدور دستور 1923،وبدأ أفضل فترات الديمقراطية والحياة البرلمانية فى مصر حتى 1930 عندما تم الغاء العمل بدستور 23 وعودته مرة اخرى ليستكمل المصريين نضالهم حتى زوال الإحتلال واستقلال مصر .
وعلى الدولة المصرية أن توثق تلك الفترة وتبحث فى أرشيف كل الدول التى كان جنودنا متواجدين فيها أثناء الحرب،ولتعلم تلك الدول ما قدمة الفيلق المصرى لهم من تضحيات وبطولات.
رحم الله كل شهدائنا،وكتب الله لمصرنا الأمن والأمان والإستقرار