ستظل نكسة 1967 نقطة سوداء في ثوب العسكرية المصرية، بل وللأمة العربية، فمازلنا نعاني من تداعياتها حتي الان، برغم تطهير الثوب المصري، والشرف العسكري في معركة العبور، الذي أعاد مجدنا، وارضنا وكل ذره تراب، ورفع رايتنا خفاقة عالية.
كنت سعيد الحظ مع بعض الرفاق بمقابلة اللواء صلاح الدين خيري الذي قاتل بجوار البطل إبراهيم الرفاعي، واللواء طيار محمد ذكي عكاشة مع حكاياته في الميدان التي تقشعر لها الأبدان، وغيرهم من الأبطال الذي شرفنا بمقابلتهم لنسمع منهم كيف صنعوا النصر بعزيمتهم وإرادتهم وحبهم لوطنهم، وقراءة عشرات الكتب ومئات الحكايات التي تقص بطولة أبناء شعبنا الأبي العظيم الذين صنعوا ملحمة النصر.
اليوم معنا قصة بطل من ذهب، ورمز من رموز العسكرية المصرية، انه الشهيد البطل الفريق عبدالمنعم رياض.
تحتفل القوات المسلحة كل عام يوم 9 مارس بذكرى يوم الشهيد، وتم اختيار اليوم بعد حرب أكتوبر المجيدة، وهو ذكري يوم استشهاد الفريق عبد المنعم رياض.
ولد رياض بقرية سبرباي إحدى قرى محافظة الغربية عام 1919، كان والده قائم مقام، تخرج على يديه الكثير من ضباط القوات المسلحة.
وكانت بدايه رياض في كُتّاب القرية ككل أبناء القرى المصرية آنذاك، وعندما تخرج من الثانوية العامة دخل كلية الطب، بناءً على رغبة أسرته، وضد رغبته، درس بها عامين، لكنه لم يستطِع أن يستمر بها وتقدم للالتحاق بالكلية الحربية، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان عام 1938.
كان رياض متفوقًا وذكيًّا فحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية، وكان الأول دائما على دفعته.
ذهب في بعثات عديدة إلى إنجلترا، والاتحاد السوفيتي، وكان يجيد عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية، والألمانية، والروسية التي كان يجيد التنكيت بها كأنه عاش حياته في الاتحاد السوفيتي، وهم من لقبوه بالجنرال الذهبي.
وتاريخ رياض العسكري مشرف وبطولي فقد اشترك في الحرب العالمية الثانية كضابط مدفعية، وفي حرب فلسطين 1948 التي مُنح فيها وسام الجدارة الذهبي لبراعته العسكرية.
كما تولى عام 1951 قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات، ومقاتلا في حرب 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، واستمر في التقدم والترقي حتى تم اختياره 1961 نائبًا لرئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة، ومستشار لشئون الدفاع الجوي لقيادة القوات الجوية، وفي عام 1964 عُيِّن رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة.
وعندما اندلعت حرب 1967 كان قائدًا عامًّا للجبهة الأردنية، وأثناء وجوده بالأردن رصدت الردارات سربًا من الطائرات الإسرائيلية تخترق السماء في اتجاهها إلى مصر، وطلب من القيادة السورية وقتها تحريك طائراتها لضرب الممرات الإسرائيلية ولكن للأسف لم تستجيب لطلبه.
فعاد الي مصر وتولي يوم 11 يونيو 1967 رئاسة عمليات القوات المسلحة المصرية، ومعه الفريق محمد فوزي وزيرًا للدفاع، ليعيدآ معًا إعادة بناء القوات المسلحة؛ لاستعادة شرفنا العسكري بعد نكسة يونيه 1967 القاسية على نفوس العسكريين قبل جموع المصريين.
ولتبدأ حرب الاستنزاف سريعًا بعد نكسة يونيو، التي كلفت العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، بمعركة رأس العش، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، والقيام بعملية تدمير الحفار الإسرائيلي في قلب المحيط، وكثير من العمليات التي قام بها أبطالنا خلف خطوط العدو، التي انهكته وجعلته يستنجد بواشنطن وصولا الي وقف القتال بموجب مبادرة وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكي.
وخطط رياض لتدمير خط بارليف، الذي كانت تتباهى به إسرائيل، وقد حدد يوم 8 مارس لبدء تنفيذ العملية، وقد بدأت نيران المصريين تدك الحصن، وتكبد العدو خسائر فادحة، وتم تدمير جزء من خط بارليف.
وهنا أدرك الجنرال أنه لا بد من استطلاع الأمر بنفسه، وفاجأ ضباطه وجنوده بزياتهم في المواقع الأمامية للمعركة، واختار أقرب نقطة للعدو، وكانت على بُعد 250 مترًا في الموقع 6، أكثر المواقع تقدمًا وإصابة للعدو، وأدرك العدو أن هناك شخصية مهمة في الموقع، فوجه نيرانه بكثافة على تلك النقطة، واستمرت المعركة يقودها بنفسه حتى انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة البرميلية التي يقود منها معركته الأخيرة لتصيبه إحدى شظاياها ويستشهد رياض متأثرًا بإصابته.
كانت جنازة رياض شعبية كبيرة ومهيبة، تقدمها جمال عبدالناصر ، الذي نعاه وقت استشهادة، واصدر أمر بترقيته الي رتبة فريق، ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية، أعلى وسام في العسكرية المصرية، كما نال كثيرًا من الأوسمة والتقدير أثناء حياته.
كان الفريق رياض خير قدوة لضباطه وجنوده، وخير مثال يُحتذَى به في العسكرية إخلاصًا وانضباطًا، وعلمًا.
وفي ذكرى رحيله نحتفي بكل شهدائنا، من قدموا الغالي والنفيس، ولم يبخلوا بأرواحهم ودمائهم فداءً للوطن.
فدعونا نقف لحظة صمت إجلالًا وتوقيرًا، وتقديرًا لشهدائنا، لما قدموه للوطن، فكل التحية لأرواحهم الطاهرة وكل الاعتزاز لتراب الوطن الذي روته دماؤهم، ونعاهدهم على أن نكون للوطن درعًا وسيفًا ويدًا تبني ويدًا تحمل السلاح.
فتحية لشهداء القوات المسلحة، وتحية إجلال وتقدير لكل شهداء الشرطة المصرية، ولكل مصري قدم روحة ودمة فداء لوطنه وحماية لترابه.
وقال الله سبحانه وتعالى في كتابة الكريم ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون )
عاشت مصر أبية قوية ناهضة وتحيا تحيا مصر.
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
