كان المجتمع قبل المسيح يموج فى الظلم والطغيان والتجبر، فهيردوس كان طاغية جبارا متكبرا ظالما، كل همه ارضاء قيصر روما، ليظل على عرشه، مهما كانت الدماء التى تسقط من ابناء شعبه، او الضرائب التى ترهقهم لتمتلأ بها خزائن روما، وتشبع ملذاته ومجونه.
ليأتى المسيح ليملأ الأرض محبة وسلاما، ويبدد الظلمة نورا، وليبدأ عهد جديد فى تاريخ البشرية، بل بمولده كان هناك ميلاد جديد، ولنبدأ الحكاية…
فى الناصرة تنذر حنة جدة السيد المسيح، ومن نسل داود علية السلام ما فى بطنها لخدمة المعبد، وجدة سيدناعمران علية السلام الذى قال الله فى كتابة الكريم {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ..}.
وخالته الياصابات زوجة سيدنا زكريا الذى كفل مريم العذراء، وشاهد تسابق الصالحين لرعايتها، ولكن الله كرمه بهذا الشرف وهو نبى الله شهيد كلمة الحق، فشاهد كرماتها وبركاتها، وابن خالة سيدنا يحى بن زكريا( يوحنا المعمدان) الذى ووهب روحة للعبادة وخدمة المعبد، ثم قرر الخروج الى البرارى ولبس الخشن من الثياب، حتى أمره الله بإبلاغ رسالته، وذاع صيته وتحدث الناس والكهنة ومجلس السنهدرين، وكانوا يظنونه انه المسيح، لكنه قدجاء ليبشر بقدومه، ويأمرهم بعبادة الله والصلاة والصيام والصدقة وذكر الله وقال عنه الله فى كتابه الكريم ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا).
فالمسيح من بيت نبوة كريم، وأصل طيب، والدته السيدة مريم العابدة الطاهرة العفيفة الشريفة سيدة نساء العالمين، عاشت فى كنف سيدنا زكريا بعد وفاه والدها، ولازمت المعبد ، تقضى اكثر اوقاتها فى الصلاة وذكر الله، تتعبد وتتفكر، تقرأ التوراة وتعلم أن المسيح سيولد من نسل داود، ليقيم العدل ويقهر الجبارين ويزلزل عروشهم.
وهناك سورة كاملة فى القرآن الكريم تحمل اسمها المبارك، يقول تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ).
وكانت حنة أمها تتمنى تكون ابنتها تلك العذراء التى تلد المسيح، حتى تبخر الحلم بخطبتها من يوسف النجار، وقالت فى نفسها ان مريم ستتزوج قريبا، ولن تتحق أمنيتها، وتكون ابنتها هى العذراء التى يتحمل التوراة بشارتها.
وتمر الأيام ومريم فى المحراب، يأتيها الملاك بالبشرى،كما جاء فى كتابه الكريم: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)، ونفخ الله فيها من روحه، وبدأت علامات الحمل، وكثرة الهمس من العامة ورهبان المعبد، وزكريا يدافع عنها، فقد شهد الجميع بصلاحها وتقوها، فكيف يتقولوا عليها، ويوسف النجار خطيبها يسمع فى أسى ما يقولة الناس، ولا يعرف ماذا يفعل فهو متأكد من طهارتها، ويأتيه الملاك ليربت على قلبه ويطمئنه، ويطلب منه ملازمتها وحمايتها هى والغلام القادم، فيستيقظ فرحا بشوشا، ليذهب إليها ويزف لها البشرى.
ويصر رهبان المعبد على محاكمتها، فيخرج بها يوسف فى ليلة شديدة البرودة، وفى الطريق تشعر مريم بألام الوضع، فجأها المخاض الى جذع النخلة، ويسطع نورا فى السماء، وتتلطف من برودتها، والأعراب يتعجبون من تلك المعجزات، ويوسف يترقب من بعيد، ومريم تتألم، ( يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) وتقول:
وتضع مريم مولدها (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا).
و انتشر النور فى المكان، أضاء المزود، والقلوب فرحة مستبشرة بالمولود.
وفى أقصى الأرض يرصد المنجمون النجوم ويرون النور الساطع، ويقولون لقد ولد الليلة ملكا، فيشدوا رحالهم من بلاد فارس الى مدينة داود ارض اليهود يطلبوا رؤية الطفل، ولكنهم يقابلوا هيردوس ليسألوا عن الغلام، فتزيد هواجسة وجنونة، يريد معرفة من الغلام، فيأمر بقتل كل الأطفال المولودين.
فخرجوا من عنده يلتمسون الطفل، حتى شاهدوا النور يخرج من احد البيوت، فلما وصلوا الية شاهدوا النور فى حجر مريم، وقدموا الهدايا، وامنوا بصدق رسالته، ولم يعودوا الى هيردوس ليخبروه عن مكان الطفل المبارك الذى يهدد عرشه، بل عادوا الى وطنهم.
و حملت مريم طفلها وهى صائمة لله الى قومها، وقد تشكلت المحاكمة من الرهبان والقوم مجتمعين، يلومنها على ما أتت به من ذنب لا مغفرة فية سوى الرجم، وهى لا تتكلم، وتشير اليهم ان أسألوه، وهم يصيحون ويضحكون كيف نكلم من كان فى المهد صبيا، فتحدث المعجزة ويتكلم الطفل المبارك، كما جاء فى القرأن الكريم فى سورة مريم: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).
فزالت عن صدر حنة كل الهموم، وتوهجت أسارير مريم وزكريا ويوسف، لكن مازل هيردوس يقتل كل الأطفال، يبحث عن الطفل، بل يقتل كل من يشك فى ولائة، فيأتى الملاك الى يوسف ان قم وخذ الصبى واذهب به الى مصر.
وتبدأ رحلة العائلة المقدسة الى مصرنا الحبيبة لتزيدها تشريفا، فى رحلة استمرت اكثر من ثلاثة سنوات، حتى أنبئوا بموت الطاغية، فطلب الملاك من يوسف العودة.
وعادوا الى فلسطين وهى مقسمة بين أبناء هيردوس، بفعل الرومان لضمان ولائهم، وأورشليم المقدسة تحت حكمهم مباشرة، فعادوا إلى الناصرة.
كبر الطفل وأصبحا صبيا يافعا، يعمل مع يوسف نجارا نهارا، وعندما يحين الليل كانت متعته فى الوحدة والسكون والنظر الى السماء، يكثر من التسبيح والصلاة، ويتمنى ان يذهب الى اورشليم، التى طالما حدثته والدته عنها، ويحين الذهاب اليها فى عيد الفصح، وقد تجهزوا برحالهم ومتاعهم، والشوق يملأ الجميع بتلك الرحلة العظيمة، واجتمعوا فى السوق مع الحجاج، ليقطعوا الطريق مدينة مدينة، وتعرف فى طريق رحلته على على يعقوب ويوحنا، وعندما وصل الى المدينة المقدسة خفق قلبة، فتلك هى المدينة التى سمع عنها من مريم ورسم لها صورة فى خياله، ذهب ليتفحص كل شىء، الباعة، وحلقات الدرس، وتقديم الأضاحى والنذور، ويسمع صوت المصليين الخاشعين، ويجلس ليسمع الدروس، ويصلى فى المعبد، ويجالس كبار الحاخامات، حتى انقضى العيد ووجب عليهم العودة الى الناصرة.
وعندما عاد أخذ يحلل كل ما عايشة، فرأى ان الجميع خرج عن شريعة موسى، وقصور الحكام والنبلاء تعج بالفساد والمجون والخلاعة، والفريسيون يرهقون الفقراء بحملاتهم التفتيشية، والحاخامات يدعون التقوى وهم أكثر الناس فسادا، والبلاد كلها فى هم وغم من قسوة الحياة وشظف العيش، وكذلك توفى يوسف تركا فى نفسه ألم الفراق.
و فى وحدته على قمة الجبل، ينظر الى السماء فى خشوع، يناجي ربه ويبتهل اليه، وقلبه مملوء بالإيمان، حتى جاء سيدنا جبريل، ليبلغه رساله الله جل شانه، وانه رسولا الى بنى اسرائيل، واخد ملاك الوحى جبريل علية السلام، يعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل.
فعيسى رسول الله وروحه، وكلمة ألقاها لمريم العذراء، وقد أيده الله بمعجزات كثيرة، وينشر المحبة والسلام بين الناس.
ونحتفل فى تلك الأيام بذكرى ميلادة، والتى فصلت بين زمانيين وتشكل معجزة إلهية، وقد كرمة القران الكريم فى مواضع كثيرة زاده فيها تشريفا وتوقيرا وتبجيلا.
فكل عام والانسانية كلها بخير بذكرى الميلاد المجيدة، ولتبقى ذكراه العطرة الى اخر الدهر رمزا للمحبة والسلام والتسامح.