منذ تولي الرئيس السيسي السلطة فقد شهدت العلاقات المصرية الأفريقي زخماً كبيراً، فبعد انقطاع عن القارة لعقود طويلة ترجع لنهاية الستينات، فقد عادت الدولة المصرية لجوارها الافريقي اذ تمثل الدائرة الافريقية إحدى دوائر النفوذ الحيوي الأفريقي والذي يضم في القلب منه دول حوض النيل.
ويرجع الفضل في ذلك لدور القيادة السياسية والأجهزة السيادية المختصة بشئون الخارجية، التي ادركت أهمية وجود سياسية خارجية فاعلة تمتد من شرق القارة لغربها ومن شمالها لجنوبها ، ولما لا؟ والقاهرة هي العاصمة التي احتضنت منظمة الوحدة الافريقية1964 منذ نشأتها وهي المنظمة التي قد تحولت فيما بعد للاتحاد الافريقي 2002 وقد انتقلت موقعها “لأديس ابابا” في تحول لافت ينم عن مدى تقلص الدور المصري في افريقيا حينها وهو ما أدى لوجود فراغ حاولت ان تملئه قوى افريقية وعربية وإقليمية فاعلة، فخلال تلك الحقبة قد تم استبعاد المبادرات المصرية لحل بعض الصراعات الافريقية العربية في القرن الافريقي مثل مشكلة السودان وجنوبه ،والصراع في الصومال، وهو ما كانت تريده القوى الدولية والتي رأت ابعاد الدور المصري فتتصرف كما تشاء في القرن الافريقي .
وعلى جانب اخر، استطاعت القوى الدولية ان تقدم الدعم “لأديس ابابا” وتطلق يدها في مبادرات تسوية الصراعات في القرن الافريقي وهو ما يتوافق مع المشروع الاثيوبي الأمريكي ، فشهدنا تدخل اثيوبيا في الصومال والقيام بالوساطة بين الأطراف الصومالية لمحاولة الوصول لحل الا ان محاولات اديس ابابا قد باءت بالفشل، وحينما حاولت القاهرة ان تتدخل لتدارك الامر وتقدم مبادراتها للحل وتجمع اطراف الصراع على مائدة المفاوضات1997، فلم تعترف اثيوبيا بهذا الدور بل وضغطت على الأطراف الموالية لها لعدم الانضمام الى تلك المفاوضات ومن ثم افشالها.
ويمكن تفسير ذلك بسبب سعي اثيوبيا لتحقيق مزيد من النفوذ السياسي والتحكم بالملف الصومالي وتسييره بما يحقق مصالحها وبما يمنع وجود دولة قوية تتحكم بالقرن الافريقي كما يحلو لها ، حتي بعد التدخل الدولي “قوة العمل الموحد” بقرار مجلس الامن الشهير”794″ تحت البند السابع لمحاولة احتواء الصراع وادعاء إرساء بيئة امننه للعمل الإنساني الا ان هذا لم يجلب الا مزيدا من عدم الاستقرار وانتشار ظاهرة الإرهاب والقرصنة وتهريب وتجارة غير المشروعة .
ويبدو ان موقع الصومال الجيوسياسي قد جلب عليها المشاكل من كل صوب فهي مدخل البحر الأحمر وقناه السويس ومضيق بابا المندب وتشكل حدودها الحدود الشمالية للقرن الافريقي، وتزخر الصومال بموارد طبيعية هائلة ،وعلى الرغم من ذلك فان لعنه الموارد قد أصابها اذ تعاني الصومال من مشاكل وصراعات وحروب أهلية من شأنها ان تفتت وحدة وسيادة أراضيها فضلاً عن سيطرة الجماعات الانفصالية والارهابية على مناطق مهمة لا تكاد يد الحكومة المركزية التي لا تصل لتلك المناطق ، فضلا عن صراعات حدودية مع اثيوبيا وكينيا ،اضف الى ذلك تدخلات القوى الدولية والإقليمية .
ونظراً لما تشكله الصومال من أهمية اقتصادية وجيوسياسية ومع إدراك صانع ومتخذ القرار المصري لأهمية دولة الصومال واعتبارها قوى موازنة لأثيوبيا في القرن الافريقي ولا يمكن اغفالها، فقد جاء التحرك المصري لتنمية وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية معها، فمصر لديها تجربة جديرة بالاهتمام في بناء الدولة ومكافحة الإرهاب وغيرها من التجارب الملهمة والتي تستطيع نقلها لأشقائها العرب والافارقة.
وبناءً عليه، فقد جاء التوجه لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بدولة الصومال، فسياسياً
مصر تعتبر عضواً فاعلاً في مجموعة الاقتصاد الدولية التى تُعنى بالمشكلة الصومالية، وعضو مجموعة الاتصال الدولية المعنية بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، وقد وقعت مصر والصومال خلال عامي2015 و 2016 على مذكرات تفاهم تشمل عدة قطاعات منها الصحة، والتعليم، والجمارك، والزراعة، ، وفى اغسطس2017 قام الرئيس السابق “محمد فرماجو” بزيارة لمصر، و قد بلغ حجم الميزان التجاري بين الدولتين بين هذه السنه نحو 88 مليون دولار خلال عام 2017، وفي 19 أبريل 2016 وقعت الصومال ومصر، مذكرة تفاهم في مجال التعاون الاقتصادي والعسكري ومكافحة الإرهاب .
ولايزال الدعم المصري لدولة الصومال مستمراً اذ دعمت مصر قيام انتخابات رئاسية افرزت عن فوز الرئيس ” حسن شيخ محمود” لرئاسة الصومال 2022، وعلى الرغم من الجهود المبذولة فيبدو ان المشاكل الداخلية الصومالية تحتاج لتكاتف جميع الأطراف وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصالح قبائلية وعشائرية مع وجود إرادة وطنية لمواجهة إرهاب تنظيم القاعدة المتمثل في وجود حركة شباب المجاهدين والذي يهدد الامن في البحر الأحمر والقرن الافريقي.
شيماء حسن علي| تكتب:
مصر وأفريقيا العودة من جديد (١)
مقالات ذات صلة