في البيان الختامي الصادر عن مجلس حزب الازدهار الإثيوبي، يوم 8 أغسطس 2025، بدا واضحًا أن السلطة الحاكمة في أديس أبابا تسعى لتقديم نفسها كقوة صاعدة تتحدى ما تسميه بـ”الهجمات الجيوسياسية والإعلامية”، وتؤكد على “إنجازات كبرى” من بينها التقدم في ملف نهر النيل، وطرح قضية الحصول على منفذ بحري كأجندة دولية مشروعة.
لكن القراءة السياسية لهذا الخطاب لا يمكن أن تنفصل عن الوقائع الفعلية على الأرض، وعلاقات إثيوبيا الإقليمية المعقدة، لا سيما مع مصر وإريتريا، والتي تكشف عن توازن هش بين الطموح السياسي والواقع المتأزم.
سد النهضة: إنجاز داخلي أم تهديد إقليمي؟
رغم ما يُروج له إعلاميًا من تثبيت للموقف القانوني الإثيوبي في ملف سد النهضة، فإن التعنت الإثيوبي في المفاوضات الثلاثية مع مصر والسودان لا يزال سببًا جوهريًا في حالة الجمود الدبلوماسي، بل والقلق الإقليمي المتصاعد.
إثيوبيا تُصر على أن المشروع “حق سيادي”، بينما ترى مصر ومعها السودان، أن الأمن المائي لا يمكن فصله عن الأمن القومي، وأن غياب الاتفاق الملزم لإدارة السد وسنوات الجفاف يُعرّض ملايين المواطنين لمخاطر وجودية.
وبدلًا من الدفع نحو حل عادل ومتوازن يضمن التنمية للجميع، يبدو أن الحكومة الإثيوبية تسعى لتصدير السد كرمز للإنجاز الداخلي، دون الاعتراف بتكلفة المواجهة الدبلوماسية والسياسية مع دول المصب.
المنفذ البحري.. الطموح المشروع أم العبث الجيوسياسي؟
تضمين البيان الرسمي الحديث مجددًا عن “الحق الإثيوبي في الحصول على منفذ بحري” ليس تطورًا لغويًا عابرًا، بل مؤشر على إعادة تدوير مشروع جيوسياسي شائك، يحمل بين طياته تهديدًا لاستقرار منطقة القرن الإفريقي.
فمنذ يناير 2024، حين وقّعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع “أرض الصومال” للحصول على منفذ بحري مقابل الاعتراف بها، اشتعلت الخلافات مع الصومال الفيدرالية، وبرزت مخاوف من احتمالات عسكرة الخلافات، واليوم، مع عودة الخطاب بقوة، تبرز إريتريا كطرف رئيسي في المعادلة.
إريتريا، التي شهدت علاقاتها مع إثيوبيا فتورًا بعد التحالف المؤقت أثناء حرب تيغراي، تنظر بريبة لمحاولات أديس أبابا التوسع باتجاه البحر الأحمر، وتخشى أن تتحول طموحات أبي أحمد إلى ضغط إقليمي قد يجر المنطقة إلى مواجهات غير محسوبة.
هل تكفي الشعارات لحماية الداخل؟
خطاب “تعزيز الوحدة الوطنية” الذي تبناه حزب الازدهار، لا يبدو مقنعًا في ظل المشهد الداخلي المتصدع.
فالبلاد لم تتعافَ بعد من تداعيات الحرب في إقليم تيغراي، ولا تزال الاحتجاجات والتوترات القومية تتنقل بين أقاليم أوروميا وأمهرا وبني شنقول، ما يطرح تساؤلًا جوهريًا:
هل تحققت الوحدة فعلًا، أم أنها مجرد غطاء إعلامي لمركزية مفرطة تُقصي التنوع الإثيوبي؟
إن الإصلاحات المؤسسية والاقتصادية التي يتحدث عنها الحزب لن يكون لها معنى ما لم تُقرن بإصلاح سياسي حقيقي، يضمن المشاركة العادلة، ويوقف الاعتقالات والقمع، ويفتح المجال لمصالحة وطنية شاملة تعالج جذور الأزمة الإثيوبية، لا أعراضها فقط.
في الختام
الخطاب الرسمي في أديس أبابا، كما عبّر عنه حزب الازدهار، يعكس بلا شك رغبة في لعب دور إقليمي ودولي أكبر، لكن الطموحات الكبرى لا تُحقق بشعارات السيادة فحسب، بل تتطلب شفافية، شراكات متوازنة، وحوار جاد مع الجيران.
وإذا أرادت إثيوبيا أن تكون قوة استقرار حقيقية في القارة، فعليها أن تعيد التفكير في علاقتها بمصر بشأن سد النهضة، وتُدرك خطورة المساس باستقرار البحر الأحمر، وتتوقف عن تصدير خطاب خارجي لتبرير إخفاقات الداخل. #رأي_العدل#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
