إبراهيم العجمي |يكتب:
تحتل مصر قيمة كبير بين الدول العربية والإسلامية كونها نالت شرف استضافة آل البيت والكثير من أقطاب الصوفية والصالحين وعلماء الدين الذين تعتبر مقاماتهم مقصدا للكثير من زوار مصر بل ويأتي إليها خصيصا المريدون من كافة أصقاع العالم.
وسعدت كثيرا عند متابعة مشروع تطوير شارع الأشراف بحي الخليفة والذي يضم عددا من المزارات السياحية ومقامات آل البيت.
أعيد إحياء الشارع من جديد كما وضع على خارطة السياحة بشكل يليق بالجمهورية الجديدة التي نسعى إليها إلى جانب بالطبع مشروع تطوير محيط مجرى العيون وبحيرة عين الصيرة.
في المقابل كنت في صدمة شديدة عندما رأيت البعض من أسماء أصحاب القبور التي في قائمة الإزالة لمقابر منطقة مصر القديمة، تحديدا في محيط مقبرة الإمام الشافعي وهي قبور توثق لحقبة هامة من تاريخ مصر ما بين فترة حكم المماليك وحتى مصر الحديثة في عصور مختلفة كما أنها تتميز بطراز معماري فريد.
وجاء ضمن تلك القبور قبر الإمام ورش الراوي عن الإمام نافع أحد القراء العشرة للقرآن الكريم، والراوي المصري الوحيد من الرواة العشرين للقرآن، وقبر الشيخ المراغي شيخ الأزهر الأسبق، و قبر الشاعر حافظ إبراهيم بجانب مقبرة الأميرلاي علي بك رمزي والفريق إسماعيل باشا سليم، ومدفن محمد راتب باشا سردار الجيش المصري سابقًا وغيرهم من نماذج العمارة الجنائزية المصرية على مدار عصور مختلفة.
كانت للعمارة الجنائزية حرمة وقدسية منذ العصور الأولى للمصري القديم عصور ما قبل الأسرات، فكان المصري القديم يمكن أن يعيش في بيت من الحجارة والطين ويبني قبرا محفورا داخل صخور الجبال. كان للملوك وكبار رجال الدولة مقابر خاصة تتزين بالنقوش والزخارف وتحوي بين جنباتها على زاد يساعد المتوفي في العالم الآخر، وتتجلى تلك الصورة بوضوح في المعابد الجنائزية التي تحكي إيمان المصريوين القدماء وعقيدتهم واهتمامهم الكبير برحلة البعث والخلود.
تعاقبت على مصر حضارات مختلفة من ما قبل التاريخ وصولا إلى عصر الفراعنة ثم الرومان واليونان والعصر القبطي ثم الإسلامي وصولاً للعصر الحديث، حافظت كل تلك الحضارات بشكل أو بآخر على حضارة أسلافها حتى وصل إلينا اليوم ما يوثق ويشهد على عظمة الأجداد ويأتي اليها الزائرين من مختلف أرجاء العالم.حتي أصبحت تلك السياحة الثقافية تمثل جزء كبيرمن دخل مصر اليوم، حيث يأتي السائحون لزيارة نماذج من العمارة الجنائزية المصرية في العهد الفرعوني أو اليوناني الروماني وغيرها فتلك النماذج حفظت جزء لا يستهان به من تاريخ مصر في تلك العصور ومن خلالها استطاع المصريون والعالم معرفة عقيدة الديانة المصرية القديمة وتطور الأنثروبولوجيا لدى الإنسان المصري عبر تلك العصور.
فكما يأتي من الغرب من يزور الأهرامات وأبو الهول والمعابد يأتي من الشرق من يزور الأضرحة وقبور الأولياء والصالحين ويدعو فيها ويأتي أيضاً محبو التراث والثقافة لمشاهدة تفاصيل تلك المباني ذات الطراز المعماري المميز من الحقبة الخديوية والمالكية وما تحملة معها من دلالات وخصوصا أن منها ما يتجاوز الألف عام، كما كشف الموثقون الهواة الذين أخذوا على عاتقهم توثيق تلك القبور قبل إزالتها.
وبعد نشر توثيقهم من صور وفيديو ذهب العشرات خلال يومين فقط من زائري القاهرة والساكنين فيها من عرب ومصريون وأجانب مهتمون بالتراث المصري ليوثق كلاً منهم بمجموعة من الصور الرائعة معالم المقابر التاريخية قبل إزالتها.
حجة الحكومة الواهية بأن تلك القبور غير موثقة كأثار إنسانية هو عذر أقبح من ذنب، فحتى وإن لم تسجل تلك المقابر كأثر فهي تخضع لقانون حماية التراث التابع لليونسكو، وكان يمكن في أسوأ اﻷﺣﻮال وأضعف الإيمان نقل شواهد تلك المقابر التي تخلد تلك الحقبة بعمارتها الجنائزية المميزة لمكان يحفظها كشاهد على هذا العصر، وفي الختام لسنا ضد أي تطوير كما أسلفنا الذكر ولكننا نؤكد أن الحفاظ على التراث هو الميراث الحقيقي للشعب المصري على مر العصور.