الرئيسيةمقالات العدلد.محمد فؤاد يكتب…قراءة في المشهد الانتخابي

د.محمد فؤاد يكتب…قراءة في المشهد الانتخابي

على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، تنقلت بين شوارع العمرانية والطالبية، أستعد لانتخابات مجلس النواب 2025، داعمًا مرشح حزب العدل إبراهيم العجمي، وهي فرصة عادت بي إلى الاحتكاك المباشر بالشارع والواقع الانتخابي، لألمس شعور الناس وأرى كيف تتفاعل دوائرهم مع المشهد، وكيف تتشكل ملامح هذه الانتخابات من قرب.

و على الرغم من إعلان نجاحي بالفعل كعضو مجلس نواب ضمن القائمة الوطنية، الا أنني مازلت مستمر على الارض داعما لمرشحي العدل في كلا من بولاق الدكرور من خلال الشاب الواعد علي خالد و العمرانية في شخص “العجمي”.

و خلال هذه الجولة الممتدة، اكتشفت حقيقة مؤلمة، وهي وجود تغير قد أصاب العملية الانتخابية على مدار ١٥ عام هي عمر احتكاكي بالانتخابات النيابية، فتحولت من شأن عام لشأن خاص، إذ صارت تدور في جوهرها حول قلة من إجمالي الناخبين، مع عزوف شديد عند الأغلبية عن التصويت.

وهو ما يعكس أزمة أعمق، هي فقدان الثقة في العملية الانتخابية برمتها كأساس لأي تغيير، ما أفسح المجال لسيطرة فئات محدودة على المشهد الانتخابي، وتحويله إلى لعبة مصالح ضيقة.

هذه الفئات يمكن تصنيفها إلى خمسة أنواع:

أولها “الشنيبه”، هؤلاء الذين يلفّون حول المرشحين للحصول على المال فقط، سهل الانتقال من مرشح لآخر، هدفهم المادة لا الخدمة.

ثانيًا “الداعمون”، الذين يساندون خطوات المرشح على أساس الهوية و الثقة فقط، دون نقاش أو تقييم للبرامج أو الرؤى.

ثالثًا “ادعياء توجيه الرأي”، وهم البديل الحديث للقيادات الشعبية القديمة، يزعمون تمثيل الناس ويصرّحون بأن لديهم صوت الشارع، لكنهم في الواقع مجرد مدّعين.

رابعا “قراميط السوشيال ميديا”، -إن جاز الوصف-، ممن لديهم منصات صغيرة، يخلقون جدلًا بلا محتوى، ويستغلّهم المرشحون للهجوم على منافسيهم مقابل أجر بنظام “الكري”، فيتحول النقاش السياسي إلى مجرد صفقات واستعراضات إلكترونية، بعيدة عن المشاركة الفعلية والمسؤولية. و يخشاهم ضعاف المرشحين فيدفعوا لهم ليأمنوا شرهم

وأخيرًا فئة “الناخب الطبيعي” وهي أكثر الفئات تآكلا، كانت في جولاتي طيلة ١٥ عام قضيتها في المعترك الانتخابي هي الأصوات الحقيقية التي تأتي للتصويت طوعا لا محشودة و لا مدفوعة وشكلت في مجملها العماد القوي للعملية الانتخابية.

المشكلة الكبرى أن هذه الغالبية العظمى من الناخبين منسحبة عن المشهد، والناس تعيش حالة من العزوف غير المسبوق، ويقف خلف ذلك أسباب عديدة، على رأسها التسويق الطويل المدعوم بالتجارب بأن الانتخابات محسومة والنتيجة معروفة، وأن مرشح الحكومة سينجح لا محالة.

كذلك يتحمل غياب برامج حقيقية للمرشحين واعتمادهم على العرقية والمصلحة والمال فقط جزءا كبيرا من الأزمة، إضافة إلى بعض الممارسات السابقة التي عززت شعور الناس بالخذلان، كما حدث في بعض دوائر انتخابات 2020، التي ما زالت الطعون بشأنها منظورة أمام محكمة النقض وأبرزها العمرانية و بولاق ذاتها.

ولم يغير هذا المشهد وجود بوادر لإصلاح الوضع عقب توجيهات الرئيس واستجابة الجهات المتعددة، نتيجة لهذه الأسباب، انعزل المواطن عن المشهد الانتخابي، فهو يرى أن مجلس النواب لم يفعل شيئًا سابقا، وأن نواب الدائرة اختفوا بعد الانتخابات، ما جعله يشعر أن صوته بلا قيمة،

وهنا يظهر دليل العزوف بارزا في دائرة إمبابة، حيث صوت حوالي 5% من الناخبين، وهو مؤشر واضح على تراجع المشاركة بالذات في دوائر الحضر.

وفي ظل مشهد انتخابي خالٍ من الحضور، تتحكم نسبة ضئيلة من الناخبين في تشكيل المشهد، والسواد الأعظم من النسبة الصغيرة للأسف ينزل من أجل ۲۰۰ جنيه نظير صوتها، لأنهم ضحايا وضع صعب اقتصادي واجتماعي، والمفارقة أن هذا الوضع الصعب هو نفسه الذي تسبب فيه وسوف يتسبب في استمراره هؤلاء المرشحون ممن يدفعون الـ۲۰۰ جنيه لشراء الأصوات.

وبالطبع كلما ابتعدت الأغلبية عن المشاركة، كلما ضعفت فرص أي تحسن في المشهد السياسي، وتظل الشكاوى تتكرر دون جدوى، ويستمر الوضع محلك سر.. ممارسات سيئة وأداء هزيل جعلت الناس ترى أن البرلمان ليس أداة تغيير حقيقية، بل أصبح مجرد ساحة تبارز بين المرشحين ودوائرهم الضيقة أصحاب المصالح المباشرة، بجانب ٣٪ من الأصوات المشتراة، في حين أن الجمعية العمومية من جموع الناس تظل غائبة وتلعن الظروف.

قد دخلت المعترك في العمرانية والطالبية على إيمان مسبق بأن وعي الأغلبية قادر على قلب المشهد، فرغم أن البعض يركّز على حشد القلة بالفلوس أو شنطة تموين، معتبرين الناس مجرد أرقام، و رغم استقرار وضعي كنائب منتخب بالفعل، إلا أنني آثرت أن أخوض المعركة من أجل المساهمة في تغيير.. تغيير يراعي إرادة الناخبين ويوقف استغلال القلة لصالحها، لأن السياسة الحقيقية تبدأ بالمشاركة الواعية لا بالصمت أو التواكل، وتعتمد أساسا على إدراك الناس بأن المشهد الانتخابي ملك لهم، وأن تغييره ممكن إذا شاركوا بوعي ومسؤولية.

أعلم أن ضبط المشهد يحتاج وقفة أكبر و وقت أطول في إطار أكثر شمولا.. وقفة من الأحزاب، من القيادات السياسية، من المشتغلين بالسياسة، لكنه يجب أن يبدأ من الناس أنفسهم، لتأكيد أن المشاركة ليست خيارًا بل واجبًا وحقًا، وخطوة لإعادة الانتخابات إلى مسارها الطبيعي بعيدًا عن شراء الأصوات واستغلال الفقر والحاجة و النتائج المعلومة سلفا.

وعليه فالحل يبدأ بالمشاركة الواعية، بالوقوف في الشارع، بالحديث إلى كل فرد، وباختيار من يمثلهم بحق، لا بالمال أو المصالح الشخصية، وإذا أرد الناس أن يعود المشهد الانتخابي إلى وضعه الطبيعي، وأن تتحقق العدالة السياسية والمصلحة العامة، عليهم أن يكونوا جزءًا من التغيير لا مجرد متفرجين، فالمشاركة هي البداية، وباختيار واعٍ، يمكن أن نعيد للأمل مكانه، ونثبت أن إرادة الناس أقوى من أي ماكينة حشد أو أي مصالح ضيقة.

#انتخابات_النواب2025#الناس_اولا_مش_المصالح#حزب_العدل#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة