عام مضى على مصر شهد نصفه الثاني انفراجة سياسية “شكلية” وأزمة اقتصادية خانقة، عادت بالمواطن إلى أفكار وذكريات عنق الزجاجة، وسيل من التشريعات والقوانين دون حوار مجتمعي، فصارت محل لغط واختلاف، لتزيد من حجم أعباء المصريين وثقل همومهم الاقتصادية.
عام مضى على مصر شهد دعوة من رئيس الجمهورية، وبالتحديد في شهر إبريل 2022، قائلا أثناء كلمته في إفطار الأسرة المصرية، أنها دعوة لحوار سياسي شامل نحو أولويات العمل الوطني.
كلمات تلقتها المعارضة الوطنية المصرية باهتمام، تلك المعارضة التي شوهت وسفهت وربما اتهمت بالخيانة والعمالة لمجرد اختلافها في الرأي، في وقت قرر الجميع فيه شعار أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب، ليتطور هذا الشعار ليصبح لا صوت يعلو فوق صوت قطار التنمية، ليتحول كل مختلف في الرأي في هذ الوطن إلى عدو للاستقرار كاره للتنمية معصب العينين عن حجم الإنجازات.
دعوة للحوار استبشر بها كل المصريين خيرا، المؤيدون والمعارضون، القاصي منهم والداني، المحزبون وغير المحزبين، وكل منهم يأمل بانفراجة في ما يفهم ويهتم، فرأته المعارضة سياسيا بامتياز للتخلص من بعض القوانين المكبلة للحقوق والحريات ومباشرة الحقوق السياسية، وتحدث عنه المختصون في الاقتصاد والاستثمار بأنه دعوة مهمة لمراجعة الحكومة في خططها وبرامجها ومنهجها الذي يرونه سببا مهما وأساسيا في أزمة مصر الاقتصادية وعثرتها، بينما ترى الحكومة نفسها منجزة ومحققة وأن طبيعة أزمتها مستوردة من الخارج.
دعوة للحوار رأي فيها بعض المؤيدين والعقلاء أنه حان الوقت لأن نستمع للآخر إن كنا نسعى حقا لبناء جمهورية جديدة ووطن يتسع لكل المصريين والمختلفين، ما داموا لم تلوث أيديهم وأفكارهم بالدماء.
إلا أنه وبعد مرور ثمانية أشهر كاملة منذ دعوة الرئيس تشعر وكأن هذه الدعوة قد توقفت وتاهت عن مقصدها كما تتوه أوراق المصريين وتتوقف مصالحهم في خضم بحار فساد محلياتهم، وأن ما نودي به من حوار لأولويات العمل الوطني صار حوارا إعلاميا دون جدوى أو منطق أو هدف.
دعوة للحوار غرقت في أحضان آليات ومحاور واجتماعات ولجان قام بها مجلس أمناء الحوار، فكثرت معالمها حتي ذابت وعزف عنها المهتمون والمفكرون والمثقفون.
إن الدعوة للحوار التي أطلقتها مؤسسة الرئاسة المصرية لا يمكن أن تنجح ولا أن ترى النور دون أن يتغير فكر وأداء القائمين عليها، والمنوط بهم إدارتها وسط استقلالية تامة وشفافية كاملة، والفرصة المتاحة للمشاركة في كتابة أولويات العمل الوطني، وتدشين جمهورية جديدة تقبل بالجميع، لا يمكن أن يكتب لها التوفيق إلا مع تغيير حكومي ووزاري واسع وشامل وعميق، يحمل معه هذا التغير على رأس مؤسسات الدولة من يعي معنى أولويات العمل الوطني وضرورة توفير المناخ المناسب له لإنجاح هذا الوطن.
وإلا فإن هذا الحوار لن يبدأ ولن ينتهي.