الرئيسيةمقالات العدلحسن الدالي يكتب: أزمة تشوه الوعي

حسن الدالي يكتب: أزمة تشوه الوعي

الوعي هو أخطر قضية تواجه المجتمع المصري، هذا الجيل ولد ضائعاً، ضائع في مبادئه، ضائع في عواطفه، ضائع في اهدافه، وإن كل ما يحدث من خلل اجتماعي في حقيقته انعدام الوعي وانحدار الثقافة والعلم، وإن تغيير الوعي مرهون بتغيير القيم والاتجاهات الكامنة في الإنسان، وفي هذا الصدد يوجد اتجاهان يفسران كيفية تغيير الوعي، لكن قبل توضيحهما وجب التنبيه لبعض التعريفات المرتبطة بفهم معنى الوعي وإشكالياته في مصر.

أولاً: يعرف‏ الوعي الفردي بشكل عام على أنه: حالة عقلية يتم من خلالها إدراك الواقع والحقائق التي تجري حولنا، والإدراك هنا لا يعني مجرد السمع، بل ما هو أقرب إلى التحليل بزوايا الخبرة التاريخية، والوقت والمكان والأشخاص وهنا لزاما علينا التفريق بين الوعي الفطري والوعي المكتسب.

الوعي الفطري: الذي يكونه الإنسان نتيجة معارفه ومهاراته واندماجه وتفاعلاته مع البئية المحيطة.

الوعي المكتسب: يستقيه الانسان من خلال قيم وتقاليد المجتمع.

ويجمع كل ما سبق الوعي الجمعي: الحس المشترك بين أفراد المجتمع القائم بالأساس على معيارين التعليم والثقافة، وعلاقتهما على سبيل المثال بالثنائيات المنبثق عنها قرارات الافراد ( التقليد والتجديد، والتسليم والاختيار، والعمل والاتكالية…).

ثانيًا: مشكلة تشوه الوعي ‏”Cognitive distortions”
هي في الأساس فقد بوصلة الاتجاة الصحيح، مثل التحول من ثقافة الإنتاج إلى ثقافة التحدث، والأسباب هنا كثيرة- أو المعوقات إذا جاز التعبير- فمنها ما له علاقة بالثقة، في قيام أجهزة الدولة بدورها المنشود أو ما له علاقة بالتفسير المغلوط للدين أو الإيمان الشديد بالغيبيات، للدرجة التي تجعلها تطغى على العمل أو ما يتعلق بمدى تقدم العلم في البلاد، أو الدور الفعال للإعلام بكافة وسائلة، أو إشكالية التعميم، بالإضافة إلى تنامي الانتماءات غير القطرية، هذا بخلاف الماضوية التي يغرق فيها المجتمع، ويمكن دمج كل ذلك في ما يسمى بتراكمات غياب الوعي الجمعي.

رابعًا: علاج تشوه الوعي او ما يُعرف بال mental processing.

ينقلنا ما سبق عزيزي القارئ إلى الحديث عن الاتجاهين المتبعين في كل دول العالم عن كيفية تغيير وعي المجتمع:-

الأول: تغيير المؤثرات البيئة المادية، من مؤثرات اقتصادية واجتماعية محيطة بالإنسان، وتحسين مستوى معيشته كي تتبلور أمامه حياة جديدة وتقاليد جديدة، وأهداف جديدة ومعانٍ جديدة للكفاح والمستقبل، نابعة من العدالة الاجتماعية وشعوره بأهمية وجودة في المجتمع، وهذا الاتجاه هو تجسيد في الأساس لما يعرف في الأوساط الأكاديمية بنظرية اجتياز المجتمع التقليدي أو ” The Passing of Traditional Society “وتقوم في الأساس على اربع مراحل:-

  • المرحلة الأولى: حيث يقصد بها المرحلة التي يتم فيها عملية الانتقال من الريف إلى المدن.
  • المرحلة الثانية: حيث يقصد بها المرحلة التي تؤكد على النسب الانتقالية، والتي تتراوح ما بين المتعلمين والذين يعيشون في المدن، وهو ما ساهم في جعل وسيلة الاتصال الجماهيرية من أكثر الوسائل استخداماً.
  • المرحلة الثالثة: حيث يقصد بها المرحلة التي تسمى بالمرحلة المتقدمة والتي تركز على عملية استخدام التكنولوجيا، وإنشاء الصحف، الإذاعة ودور العرض السينمائية.
  • المرحلة الرابعة: تتمثل في الآراء المتكونة لدى الأفراد، ومدى تعلقها بالشؤون العامة، كما يتسم هنا المجتمع بالانعزال.

كما تقوم هذه النظرية على تحريك الناس ودفعهم نحو ما يسمى بالتقمص الوجداني -أي القدرة على أن يضع الشخص نفسه في مكان شخص آخر- على اعتبار أن التقمص الوجداني من السمات التي يتسم بها الأفراد في المجتمعات الحديثة.

الاتجاه الثاني: تغيير مضمون القيم والاتجاهات الموجودة لدى الإنسان من خلال تغيير الرسائل الثقافية والفكرية التي تبثها أدوات التنشئة الاجتماعية ويندرج في هذا الإطار الدعوات إلى إعادة كتابة المناهج الدراسية، وتطوير مضمون الخطاب الديني، ومضمون الرسالة الإعلامية، وكل ما يتصل بالسياسة الثقافية.

حيث إن تغير القيم يؤدي إلى تغيرات كبيرة في المجتمع، مع العلم إن عملية تغيير نظام القيم تعتبر بطيئة للغاية؛ لأنها تتطلب تغيير مجموعة من أنماط التفاعل والعلاقات والمراكز والأدوار الاجتماعية كما ذكرنا.

يجب أن تحدث ثورة أخلاقية يتجسد فيها معان الإنسان والجماعة، وتكرس لروح الأخلاق الفاضلة والسلوكيات الحضارية الإنسانية أي تغيير على مستوى الوعي بالذات، وإعادة برمجة العقل الجماعي ونشر ثقافة القيَم حيث أنها أولى من أي ثقافة أخرى، على اعتبار أنه متى زالت القيم من مجتمعاتنا وواقعنا، كنا أشبه ما نكون بقطيع البهائم يستشري قانون الغابة، وتمحى صفة الإنسانية من أذهاننا على مرّ الزمن.

تعتبر القيم والأخلاق من أهم الركائز في عملية التفاعل الاجتماعي، وهي عناصر أساسية في تشكيل أي ثقافة اجتماعية في أي وقت وفي أي مكان، بدون الأخلاق والقيم النبيلة والسامية لا يمكن أن تكون هناك حضارة، أو تقدم ونمو وازدهار لذلك وجد أنه مع كل تغيير في تكوين البنية الاجتماعية يجب أن تتغير القيم والمثل والأهداف والأخلاق والسلوكيات لتتماشى مع الهيكل الجديد للمجتمع.

ليس المهم أن يكون الإنسان ساعياً نحو التغيير وحسب، وإن كان ذلك مطلبًا ملحًا في حياة الانسان، لكن الأهم من كل ذلك أن يكون هذا الإنسان واعيًا لمعنى التغيير.

وختامًا نقول أن المستقبل كله في يد هذه الأجيال، وأنه ما نبنيه اليوم لن يساوي شيئاً إلا إذا وضعناه بين أيدي أبناء اقوياء، يستطيعون أن يحموا البناء ويزيدوا عليه…

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة