ندى فؤاد | تكتب:
انتهت محاولة التمرد المسلح لمجموعة فاغنر العسكرية بقيادة “بريغوجين” التي وضعت روسيا على حافة حرب أهلية، وعلى الرغم من أن محاولة التمرد فشلت بعد ساعات فقط من بدئها، فإنها كسرت هيبة “بوتين” والدولة الروسية، وفي لحظة تحول “بريغوجين “من رمز قوة بوتين وأحد أهم أدواته الجيوسياسية إلى مؤشر على تصدعه، إلى الحد الذي قارن فيه بعض المحللين روسيا بدول العالم الثالث، وتعتبر “فاغنر” هي اليد الخفية للحكومة الروسية وظلت الإدارة الروسية لعدة سنوات تنكر أي صلة لها بهذه الميليشيات حتى اعترف “بوتين” في ٢٧ يونيو أنه تم تمويل “فاغنر” بأكثر من 86 مليار روبل روسي من ميزانية الدولة أي مايعادل (مليار دولار).
استخدم “بوتين” ميليشيات “فاغنر” لإعادة توجيه مصالح سياسته الخارجية وبدأت تلعب أدوارا متعددة في ساحات مختلفة، مع تزايد حدة الصراع في افريقيا الذي شاركت فيه عدة أطراف دولية، إما بشكل مباشر أو بطرق مخفية، تواجدت” فاغنر ” في المناطق الغنية بالنفط والذهب والثروات المعدنية واستفادت من مناجم الذهب في إفريقيا الوسطى وتمركزت في ليبيا، حيث دعمت قوات المشير “خليفة حفتر” في حقول النفط، كما لديهم امتيازات لتعدين الذهب في السودان وحاليا يقاتلون إلى جانب قوات “الدعم السريع”، وتواجدت ” فاغنر” بحقول النفط والفوسفات بسوريا حيث دعمت وقاتلت بجوار الجيش الموالي لبشار الأسد.
ومع بداية الحرب الأوكرانية ازدادت أهمية ونفوذ “فاغنر”بالنسبة للكرملين حيث تفوقت ميدانيا في عدة معارك وتفوقت على شعبية الجيش النظامي، و شن “بريغوجين” حملة هجوم وتشهير ضد شخصيات بارزة في وزارة الدفاع الروسية، رافضا محاولة إخضاع مقاتلي فاغنر لتوقيع عقود مع الوزارة، وحاول “بريغوجين” استفزاز قادة الجيش الروسي من خلال فيديوهات انتقد فيها إدارة الجيش النظامي للحرب وفشله التكتيكي، ومن هنا بدأ صراع قادة الجيش لكسر شوكة “فاغنر”، واتهم “بريغوجين” الجيش الروسي بأنه منع توريد الذخائر والأسلحة لقواته في مدينة “باخموت” الأوكرانية، الأمر الذي تسبب في رفع معدلات القتلى في صفوف فاجنر، وبالرغم من ذلك تمكن من السيطرة على مدينة “باخموت”، وربما أدى هذا الفوز إلى ارتفاع غرور “بريغوجين” وزيادة شعوره بالاستحقاق وهذا يفسر سيطرته على مدينة “روستوف” الروسية، وتهديده بدخول العاصمة موسكو وسط غياب تام لوزير الدفاع الروسي، لم تكن هذه المحاولة انقلابا أو دعوة لإسقاط “بوتين”، إنما هو عداء متصاعد بين الجيش النظامي الروسي متمثل في شخص وزير الدفاع “سيرغي شويغو” وقوات فاغنر، التي يقودها “بريغوجين”.
لا تزال علامات الاستفهام تسيطر على المشهد وتداعياته، فمصير فاغنر بدأ يتجه نحو التفكيك ودمج عدد من مقاتليها وقياداتها داخل الجيش الروسي، من وجهه نظري بوتين لن يتخلى عن وجود فاغنر في إفريقيا التي أصبحت ساحة إستراتيجية للمواجهة مع الغرب، لرغبة موسكو في الحفاظ على نفوذها وحماية مصالحها الحيوية في المنطقة.
تنامت معضلة تجنيد المرتزقة والجماعات المسلحة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وخوض حروب بالوكالة في مناطق النزاعات، الأمر الذي قاد عددا من الدول العربية إلى التدهور الأمني وإضعاف قدرة الدولة على إحكام سيادتها، وفشل الوصول إلى تسوية سياسية، ولعل الدرس المستفاد من هذا التمرد هو ضرورة أن يكون السلاح في يد الجيش النظامي والحكومة الشرعية للدولة مع الحفاظ على الجبهة الداخلية، فالميليشيات المسلحة والمرتزقة لا يمكن أن تحسم حربًا أو تسيطر على دولة، وإذا تركت الأمور تسير في هذا الاتجاه فسينقلب السحر على الساحر في نهاية المطاف.