يوسف العسكري يكتب:
يشهد الاقتصاد العالمي حالة من التشتت الاقتصادي، وهي حالة يدخل فيها الاقتصاد مرحلة عالية من عدم اليقين، فتظهر الذبذبات والتقلبات في تصرفات الفاعلين والمتعاملين بالأسواق، فالأسعار يصعب التنبؤ بها، والتكاليف يصعب حسابها، والمنافع يصعب تقديرها. وكانت تعريفات ترامب الجمركية التي فرضها على دول العالم كطلقة النار في السباق لدخول الاقتصاد العالمي في هذه الحالة.
تأتي سياسة ترامب في فرض ضرائب على دول العالم بدون استثناء بعد وعوده المتتالية في حملته الانتخابية بإعادة الهيمنة الأمريكية الاقتصادية مرة أخرى، حيث بدأ الأمر بفرض ضرائب على كندا والمكسيك بحجة العجز في الميزان التجاري، ولكن في الحقيقة فإن ترامب يفرض تعريفات جمركية ليتحصل على كروت تفاوضية تمكنه من التفاوض مع الدول بما يريد وبدون تقديم مقابل. فهو يرى أن الضرائب هي قوة ضغط تؤتي أكلها مقارنة بملف حقوق الإنسان الذي يحبذه الديمقراطيون. فبعد فرضه ضرائب على كندا تراجع عنها مقابل قبول كندا والمكسيك لمطالبه بتأمين حدوده ومنع تهريب المخدرات.
يأتي اليوم ترامب ويطبق هذه الفكرة على دول العالم بهدف الحصول على المطلوب بغير الدفع من المخزون بطريقة تبين أنها غير مدروسة، حيث وجد أن من بين الأماكن المفروض عليها ضرائب هي جزيرتا هيرد وماكدونالد التي لا يعيش بها غير البطاريق.
هذا النهج الذي اتبعه ترامب مع العالم بدأت انعكاساته بالظهور في كذا قطاع حيوي منها النفط والسلع وأسواق المال، إلى جانب تأثيرها على سياسات صناع القرار.
بالنسبة للقطاع النفطي فقد شهدت أسعار النفط أكبر انخفاض منذ 4 سنوات مسجلًا 62 دولارًا للبرميل بعد استقراره عند 72 دولارًا للبرميل، وهذا الانخفاض يعزو توقعات المستثمرين والمنتجين إلى دخول الأسواق في حالة من الركود بجانب ميل الدول إلى اتباع السياسة الحمائية التي سينتج عنها تباطؤ التجارة الدولية وتوقع خاطئ لمنظمة أوبك عن ارتفاع الطلب مستقبلًا، حيث اختارت المنظمة زيادة الإنتاج في آخر اجتماع لها مما انعكس على أسعار النفط وأسعار أسهم شركات البترول مثل أرامكو بشكل سلبي. كل هذه مؤشرات عن دخول العالم حالة من التشتت وعدم يقين حتمي سينتج عنها تقلبات مؤكدة في التجارة والأسواق العالمية.
وعن قطاع السلع، وهو القطاع الذي له علاقة مباشرة بالتعريفات الجمركية، فهو الملامس المباشر لأيدي المستهلكين، فمن المحتمل أن نرى موجة تضخمية تلوح في رحم اقتصاد عالمي يتجه إلى الركود، أي قد نصل إلى ركود تضخمي. أيضًا يمكن أن يؤدي عدم اليقين الناتج عن فرض أسعار جمركية يومية متقلبة إلى تكدس السلع في الموانئ الأمريكية والصينية بالتحديد والعالمية بالتبعية، وهذا يلوح بموجة تضخمية في الأسعار المحلية في ظل اتجاه المناخ العالمي إلى التعافي من التضخم الذي تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية.
وعن سياسات الدول النقدية والمالية، فإن حالة عدم اليقين ودخول الاقتصادات في سياسات حمائية بالتأكيد سيشكل عائقًا كبيرًا أمام صناع السياسات لاتخاذ السياسة الصحيحة والمناسبة، فإن ماكينازمية الاقتصاد المعروفة قد لا تعمل في اتجاهاتها الصحيحة في وسط هذه التقلبات.
وعن أسواق المال، فإنها تواجه تقلبات متذبذبة مع كل افتتاح بعد تبادل رفع التعريفات الجمركية بين الصين وأمريكا، الذي يوصف بالحرب التجارية الصريحة بين الاقتصاديات الكبرى، مما ينذر بوجود حالة حذر بين المتعاملين قد ينتج عنها تعطيل جزئي لحركة التمويل في الأسواق.
دخول الاقتصاد العالمي في حالة التشتت وعدم اليقين قد ينذر بتفاقم أزمة ركود تضخمي عالمية تصيب الأسواق، وتكون ممهدة لأزمة ركود أكبر في المستقبل، فالدولة المستقرة في هذه الحالة تكون كالذي يمشي على زجة ثلجية لا يعلم متى ستنكسر. فهل نحن أمام تحول اقتصادي عالمي أم ممهدات لأزمة كساد عالمية؟ كيف ومتى لا نعلم؟
بقلم يوسف العسكري
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
إنضم الآن إلى #حزب_العدل
املئ الاستمارة من هنا
https://eladlparty.com/انضم-الي-الحزب
