يُحيي المجتمع الدولي في التاسع من ديسمبر من كل عام اليوم العالمي لمكافحة الفساد، وهو حدث يستهدف التأكيد على أهمية صون النزاهة والشفافية باعتبارهما ركيزتين لا غنى عنهما في بناء الدول الحديثة. ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية والسياسية حول العالم، بات التصدي للفساد جزءًا أساسياً من أي مشروع إصلاحي يسعى إلى تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة.
وتشير تقديرات منظمة الشفافية الدولية إلى أن الفساد يكلف العالم تريليونات الدولارات سنوياً، ويعيق جهود التنمية في كثير من الدول. وبحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، لم تحرز 95% من البلدان سوى تقدمًا ضئيلاً جدًا منذ عام 2017، فيما ظل المتوسط العالمي للمؤشر دون تغيير عند 43 درجة للعام الثاني عشر على التوالي، مما يجعل مكافحة الفساد أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومات عالمياً.
وتزداد معدلات الفساد خاصة في الدول التي تعاني من ضعف المؤسسات وغياب الشفافية، مما دفع المؤسسات الدولية إلى مضاعفة جهودها لإدماج برامج مكافحة الفساد ضمن الخطط التنموية والسياسات الاقتصادية الوطنية.
الجهود الدولية لمواجهة الفساد
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في الجهود الدولية لمواجهة تحديات الفساد. فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 31 أكتوبر 2003، والتي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2005 بعد أن التزم 190 طرفاً بأحكامها. وتعد هذه الإتفاقية الإطار القانوني الدولي الأشمل، إذ تدعو إلى تجريم أشكال متعددة من الفساد وتوسيع نطاق التعاون الدولي في استرداد الأموال المنهوبة.
كما أطلق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حملات توعوية عالمية تحت شعار “الاتحاد مع الشباب ضد الفساد”، وتهدف هذه الحملة إلى توعية نحو 1.9 مليار شاب وشابة حول العالم بدورهم المحوري في مواجهة الفساد وبناء مستقبل أكثر نزاهة.
هذا وبالإضافة إلى اعتماد بعض الدول الأوروبية والآسيوية لمواد تعليمية تركز على ترسيخ النزاهة والشفافية وتوعية الطلاب بمخاطر الفساد وآليات الإبلاغ عنه. كما تبنت شركات كبرى سياسات “الحوكمة المؤسسية الرشيدة” التي تضمن الشفافية في المعاملات المالية والإدارية، مما ساهم في رفع مستوى الثقة وتحسين بيئة الأعمال.
وعلى الصعيد الإقليمي، حصلت المنطقة العربية على 34% كمتوسط إقليمي في مؤشر مدركات الفساد، فيما حصلت خمس دول عربية فقط على علامات أعلى من 50 من أصل 100، وهو ما يعكس حاجة ملحّة لتكثيف الجهود الإقليمية.
الجهود المصرية في تعزيز منظومة مكافحة الفساد
تبذل الدولة المصرية جهوداً متزايدة في قضايا مكافحة الفساد باعتبارها جزءًا أصيلاً من منظومة الإصلاح الإداري والاقتصادي.
فقد أطلقت مصر ثلاث استراتيجيات وطنية متتالية لمكافحة الفساد: الأولى (2014_2018)، والتي أدرجتها الأمم المتحدة كأحد الممارسات الناجحة، والثانية (2019_2022) والتي حققت معدل نجاح بلغ نحو 85.27%، والثالثة (2023_2030) والتي تتزامن مدة تنفيذها مع رؤية مصر 2030، وتتضمن خمسة أهداف استراتيجية رئيسية تشمل الوقاية والتوعية والتعاون الدولي.
كما تم تفعيل دور هيئة الرقابة الإدارية في كشف الجرائم المالية والإدارية مثل الرشوة واستغلال النفوذ وإهدار المال العام، إلى جانب تأسيس الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد عام 2017 لتنظيم دورات تدريبية ونشر ثقافة النزاهة. كما قدمت الدولة مبادرات مهمة، من بينها التحول الرقمي الذي يهدف إلى فصل مقدم الخدمة عن متلقيها، وإطلاق بوابة إلكترونية للمشتريات الحكومية لتعزيز الشفافية.
وعلى المستوى الدولي، وقعت مصر خمس مذكرات تفاهم مع دول مختلفة في عام 2024 لتبادل الخبرات، كما استضافت شرم الشيخ المنتدى الإفريقي الأول لمكافحة الفساد في يونيو 2019 بمشاركة 51 دولة إفريقية، والدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في ديسمبر 2021 بمشاركة 144 دولة.
كما حققت مصر تحسنًا ملحوظاً في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، حيث ارتفع تقييمها بمقدار خمس نقاط، وهي أعلى زيادة تحققها أي دولة من الدول الـ180 المشمولة بالمؤشر مقارنة بالعام السابق.
التحديات التي تواجه الدولة المصرية
رغم التقدم الملحوظ الذي حققته الدولة المصرية، فلا تزال هناك تحديات تتطلب معالجة جادة، أبرزها تعطيل إصدار قانون “حماية المبلغين والشهود” الذي يهدف إلى حماية من يكشف وقائع فساد داخل المؤسسات الرسمية، إضافة إلى الحاجة لتحديث قانون الكسب غير المشروع ليتوافق مع المعايير الدولية.
كما أن احتلال مصر المرتبة 130 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2024 يعكس حجم التحدي المتبقي، علاوة على تصدر القطاع المالي والمصرفي قائمة القطاعات الأكثر فساداً بنسبة 37.3%، يليه الفساد الإداري بنسبة 26.9%، وفقًا لتقرير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية لشهر يناير 2025.
ويؤكد الخبراء أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تفعيل دور الأجهزة الرقابية والاستفادة من تقاريرها، وتعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير الفساد بشكل تفصيلي، وزيادة الاستثمار في التحول الرقمي الشامل، إلى جانب دمج برامج التوعية بمكافحة الفساد في المدارس والجامعات وأماكن العمل.
فإن تحقيق مجتمع خالٍ من الفساد لا يتحقق إلا من خلال تكاتف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لنشر ثقافة النزاهة والشفافية وتشجيع الأفراد على الإبلاغ عن الفساد دون خوف أو تردد، فمكافحة الفساد مسؤولية مشتركة و ركيزة من ركائز التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي.
#حزب_العدل#العدل_هو_الأمل#صوت_الطبقة_المتوسطة




