يُحيي العالم في الثاني عشر من ديسمبر كل عام اليوم العالمي للتغطية الصحية الشاملة، في رسالة تؤكد أن الرعاية الصحية الجيدة والميسورة التكلفة هي حق أساسي لكل إنسان وليست امتيازًا لفئة دون أخرى. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من نصف سكان العالم ما زالوا يفتقرون إلى التغطية الشاملة للخدمات الأساسية، بينما يواجه نحو 2.1 مليار شخص صعوبات مالية عند دفع تكاليف العلاج من مواردهم الخاصة، بينهم 1.6 مليار شخص يعيشون في فقر أو يُدفعون إلى فقر أعمق بسبب هذه النفقات. ورغم ارتفاع مؤشر التغطية بالخدمات الصحية من 54 نقطة عام 2000 إلى 71 نقطة عام 2023، فإن التقدم لا يزال أقل بكثير من المطلوب لتحقيق أهداف 2030.
كما تتزايد التحديات في الدول منخفضة الدخل التي تعاني من تراجع جودة الخدمات الصحية وزيادة الضغط المالي على الأسر، مما دفع المؤسسات الدولية إلى تعزيز دمج التغطية الصحية الشاملة ضمن السياسات التنموية. ويؤكد التقرير العالمي لرصد التغطية أن معدل التقدم تباطأ منذ عام 2015، وأن العديد من الدول لم تتمكن من تحقيق تحسينات متوازنة بين زيادة التغطية وتقليل الأعباء المالية على المواطنين.
الجهود الدولية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة
تقود منظمة الصحة العالمية جهودًا واسعة لدعم الدول في بناء نظم صحية قوية وقادرة على الاستجابة للاحتياجات الأساسية. وتشمل جهود المنظمة تعزيز خدمات الرعاية الصحية الأولية، وتوفير بيانات دورية لرصد تقدم التغطية، ودعم الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في توسيع نطاق خدماتها. ورغم هذه الجهود، لا يزال الواقع يعكس وجود فجوات كبيرة تتطلب تعاونًا دوليًا أكبر وتسريع وتيرة الإصلاحات الصحية.
الجهود المصرية في تحقيق التغطية الصحية الشاملة
تقدم مصر نموذجًا بارزًا في مسار التغطية الصحية الشاملة من خلال مشروع التأمين الصحي الشامل الذي يستهدف جميع المواطنين بحلول 2030. حيث انطلق النظام تجريبيًا في بورسعيد عام 2019 ووصل عدد المسجلين بنهاية 2024 في المحافظات الست إلى 5.4 مليون منتفع. وقدمت المنظومة أكثر من 49 مليون خدمة طبية، منها 30 مليون خدمة طب أسرة و620 ألف عملية جراحية، مع نسب رضا بلغت 90%.
كما طوّرت مصر بنيتها التحتية بإجمالي 247 منشأة صحية معتمدة ومستشفيين معتمدين دوليًا، وإنشاء أول مستشفيين خضراء بتكلفة 51.2 مليار جنيه. وحققت المنظومة استدامة مالية بإيرادات بلغت 173 مليار جنيه وفائض تراكمي قدره 139.7 مليار جنيه، وفي التأمين الصحي العام، ارتفع عدد المنتفعين إلى 69 مليونًا عام 2024 مقابل 54 مليونًا في 2014، بزيادة 28%. وقدمت الدولة الخدمات لـ8.5 مليون مواطن ببرنامج تكافل وكرامة، فيما ارتفع الإنفاق الحكومي على الصحة بنسبة 124.36%، وضخت الدولة تريليون جنيه في القطاع الصحي خلال السنوات (2014-2024).
هذا وبالإضافة إلى الطفرة في التحول الرقمي، حيث استقبلت المنظومة أكثر من 9.5 مليون مطالبة إلكترونية، وأطلقت منظومات متكاملة تشمل الغسيل الكلوي، ومقدمي الخدمة، والمعامل، وأرشفة الأشعة عبر الملف الطبي الإلكتروني الموحد، ومبادرة “100 مليون صحة” التي تعتبر نموذجًا عالميًا في الكشف المبكر وعلاج الأمراض. والتي قدمت أكثر من 212 مليون خدمة خلال ست سنوات، وفاحصة أكثر من 60 مليون مواطن للكشف عن فيروس C والأمراض غير السارية، ومعالجة 4.1 مليون مريض بالأدوية المحلية. وأصبحت مصر أول دولة تبلغ المستوى الذهبي لمسار القضاء على فيروس C بعد تشخيص 87% من المتعايشين وعلاج 93% من المصابين.
وأطلقت الدولة مبادرات أخرى تشمل مبادرة دعم صحة المرأة (50 مليون سيدة)، ومبادرة فحص الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي ، ومبادرة القضاء على قوائم الانتظار ، ومبادرة صحة الأم والجنين. وحصلت مصر على إشادات دولية عديدة، منها جائزة الأمم المتحدة للأمراض غير السارية لعام 2024، وجائزة ATscale لتوسيع فحص الرؤية والسمع للأطفال.
التحديات التي تواجه الدولة المصرية
رغم الإنجازات الكبيرة، لا تزال هناك تحديات تحتاج إلى معالجة، أبرزها محدودية النطاق الجغرافي للتأمين الصحي الشامل، الذي يغطي 6 محافظات فقط من أصل 27، مما يستدعي تسريع التوسع قبل 2030. كما تواجه مصر فجوة في البنية التحتية، حيث يبلغ معدل الأسرة 1.3 لكل 1000 نسمة، وهو أقل من المعايير الإقليمية والدولية. ويظل الإنفاق الحكومي على الصحة كنسبة من الناتج المحلي أقل من الحد الأدنى الموصى به دوليًا (5%)، إضافة إلى انخفاض معدل التمريض البالغ 2.3 لكل 1000 نسمة.
ويؤكد الخبراء ضرورة تعزيز وحدات طب الأسرة، وزيادة المنشآت الصحية في المناطق الريفية، ودعم الكوادر الطبية لتحسين بيئة العمل ومنع هجرة الكفاءات، إلى جانب تعزيز التحول الرقمي والملف الطبي الموحد، والاستعداد للتحديات الديموغرافية المرتبطة بالزيادة السكانية والشيخوخة.
ويبقى تحقيق التغطية الصحية الشاملة حلمًا لا يتحقق إلا بتكاتف الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لبناء منظومة صحية قوية تضمن للمواطن حقه في العلاج دون أن يختار بين صحته ورزقه. فهي ليست هدفًا صحيًا فقط، بل حجر أساس لتحقيق العدالة الاجتماعية ودعم التنمية المستدامة.
#حزب_العدل#العدل_هو_الامل#صوت_الطبقة_المتوسطة




