الرئيسيةمقالات العدلالوطن والمواطنة بين الماضي والحاضر

الوطن والمواطنة بين الماضي والحاضر

سعاد محمد تكتب:

في غروب يوم صيفي معتدل، والشمس تستعد للرحيل تاركة وراءها القمر ينير سماء المحروسة بضيائه، ويعكس نوره على سطح النيل العظيم في منظر خلاب. وعلى ضفافه جلس بعض المواطنين الهاربين من حرارة الصيف، مستمتعين بنسمة الهواء التي تبدأ بإعلان انكسار حرارة اليوم، كان منهم أب وابنه استوقفهم المنظر، فقرر الأب الجلوس مع الابن قبل استكمال طريقهم، وفي هذه الأثناء علا صوت أغنية “يعني إيه كلمة وطن؟ يعني أرض، حدود، مكان ولا حالة من الشجن”.

استوقفت كلمات الأغنية الابن الذي يبدو أنه يسمعها لأول مرة، فسأل أباه عن معنى كلمة “وطن”، فكان رد الأب: “الوطن هو المكان الذي وُلد فيه الإنسان، أو لم يُولد ولكنه انتمى إليه بقلبه، عاش فيه ومات في سبيله، ومن علو شأن الوطن، فقد رفع الله قدر من يدافع عن وطنه وأرضه، وجعل الشهداء في أعلى منازل الجنة، فكان حب الوطن والدفاع عنه عبادة دعت إليها كل الأديان، ويشتق من كلمة ‘وطن’ معانٍ كثيرة، منها المواطن، وهو الفرد الذي يحيا تحت سماء الوطن من أب وأم يحملان نفس جنسية الوطن، تبدأ هذه العلاقة بالبلاد، فيكون لديه حقوق وملتزم بواجبات. وهنا ننتقل إلى مصطلح آخر وهو المواطنة، التي تحمل معانٍ كثيرة. فهي ليست فقط الحقوق والامتيازات التي تكفلها الدولة للمواطن مقابل الالتزامات التي يلتزم بها المواطن تجاه دولته، ولكن من ضمن معانيها عدم التمييز بين أبناء الوطن الواحد الذين ينتمون إليه بناءً على دين أو شكل أو لون أو لغة أو جنس”.

تُعرَّف المواطنة اصطلاحًا بأنها علاقة متبادلة بين الأفراد والدولة التي ينتمون إليها ويُقدّمون لها الولاء؛ ليُحصلوا فيما بعد على مجموعة من الحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وهناك مجموعة من القواعد تُعتبر العناصر الأساسية في مبدأ مواطنة الأفراد في الدول:

أولًا: المساواة وتكافؤ الفرص، فهذا يعني تساوي الأفراد فيما بينهم في الحقوق والواجبات، والتساوي في إتاحة الفرص أمامهم بدون النظر إلى معتقداتهم الدينية أو الفكرية أو السياسية. ويتم إدارة هذا عن طريق علاقة قانونية محكمة تضمن العدالة والمساواة للجميع.

ثانيًا: المشاركة في الحياة العامة، فيكون لكل مواطن حق المشاركة الفعالة في الحياة العامة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو اقتصادية. تبدأ الحقوق من حقهم في الحصول على تعليم جيد تكون التربية فيه قبل التعلم، مرورًا بحريتهم الفكرية وحقهم في استخدام الخدمات العامة ومشاركتهم في الأنشطة الثقافية المختلفة، وانتهاءً بحقهم في المشاركة الحزبية وتولي المناصب العليا والمشاركة في صنع القرار.

ثالثًا: الولاء للوطن، فإذا وُجدت الحقوق، ترتب على وجودها التزامات وواجبات مترتبة على تلك الحقوق. فالأمر لا يتوقف على مجرد شعور المرء بالانتماء لوطنه، ولكن يجب ترجمة هذا الشعور إلى فعل من خلال التزامه بالمحافظة عليه وأداء المسؤولية تجاهه، فالأرض كالعرض، حمايتها عقيدة تُزهق الأرواح فداءً للدفاع عنها وعن سلامتها والعمل على تنميتها والرفعة من شأنها.

وهنا تظهر لنا أهمية المواطنة، فهي تحقق الانسجام بين أفراد المجتمع الواحد من خلال حفظ الحقوق والحريات، مما يؤدي إلى تحفيزهم على النهوض بالمجتمع وتحملهم مسؤولية الشأن العام، واحترام الاختلاف والتنوع العرقي والعقائدي والفكري بين أفراد المجتمع، كما تؤدي إلى تقديم مصلحة الوطن على المصالح الخاصة، والمساهمة في ترسيخ المبادئ الأساسية؛ كالكرامة، والحرية، والمساواة، واحترام جميع حقوق الأفراد في مختلف المجالات مما يدفع المواطنين للمشاركة في الشأن العام، حيث يُقوّي ذلك المواطنة الفاعلة ويُساعد على بناء الدولة.

وهنا طرح الابن سؤالًا أدمى قلب والده: “هل يمكن أن تتأثر مشاعر المواطنة؟ أو بمعنى أصح، هل يمكن للعوامل المحيطة أن تؤثر على مشاعر الإنسان تجاه وطنه؟”

هنا توقف الأب برهة ونظر إلى ولده قائلًا: “بلدي وإن جارت عليَّ عزيزة، وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام”.

يا ولدي، إن حب الوطن هو فطرة مثل فطرة حب الأهل، وحمايتها واجب، قد تعارض أبويك لرغبتك في تحسين أسرتك، لكن من المرفوض والذي يرفضه العقل والمنطق أن تحرق بيتك لعدم موافقتك على أسلوب الحياة، إن حب الوطن والإحساس بالمواطنة هو جِبِلَّة خُلِق عليها الإنسان، فتنتمي لأسرتك ثم لعائلتك، ثم لأهلك وذويك، ثم جيرانك، ثم الحي الذي تعيش فيه، ثم المحافظة، ثم البلد؛ فانتماء الإنسان لأرضه يأتي قبل انتمائه للون أو عرق أو دين، فانتماء الأرض وُلد قبل كل تلك التصنيفات وسيبقى بعد كل تلك التصنيفات، ففي الماضي القريب، عندما مرت البلاد بظروف حرب، انهزمنا، ولكن أصر المصريون على سياسة ربط الحزام، أذكر جدك كان يحكي لي أن في تلك الأيام كانوا يصرفون الشاي والسكر على هيئة أظرف لعدم توافره في الجمعيات، كان المتاح قليلًا، لكن الروح كانت أكبر، روح الانتماء كانت أكبر، اجتمع الجميع على نقطة واحدة: لن نترك ذرة رمال من أرضنا مهما كلفنا الأمر، فهو أمر حياة أو موت”.

أما عن المؤثرات الخارجية والتشويش الناتج من السموم الفكرية وسياسة السم في العسل وزرع الأفكار، فيجب التصدي لها. ويكون هذا في المدارس بالتوعية والتعليم الصحيح، والفن كقوة ناعمة تستطيع أن تنير العقول وتوصل رسالة تترسخ في العقول، أما المنزل، فدور الأب والأم هو الأهم؛ فهم مرآة أطفالهم، وهم من يشكلون فيهم أرواحهم ومعتقداتهم.

والمجتمع المدني له دور في نشر الوعي بين الأفراد وتعزيز مفهوم المواطنة بين الأجيال القادمة.

وهنا نظر الابن لوالده نظرة حب وامتنان لسعة صدره، وفخر بانتماء والده لبلده، وشعر بإحساس المسؤولية تجاه وطنه، ثم اتجه نظرهما إلى النيل العظيم وهو يطوي الأفق حاملًا معه تاريخ الماضي العريق، ومحملًا بأحلام وآمال نحو مستقبل أفضل للوطن الحبيب. #حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة