الرئيسيةمقالات العدلمصطفى علوانالسينما السياسية والسياسة السينمائية

السينما السياسية والسياسة السينمائية

مصطفى علوان |يكتب…

السينما السياسية والسياسة السينمائية

تعتبر السينما وسيلة من أهم وسائل التعبير الفني التي عرفتها البشرية، ويرجع البعض بدايات السينما، إلى حوالي عام 1895م، عبر الأخوان Auguste وLouis Lumiere وبعدما حظت باهتمام متزايد عرفت العديد من التحولات وذلك من خلال توظيفها كأداة تواصلية دعائية تهدف إلى إيصال رسالة للمتلقي تداخلت من خلالها الإيديولوجية بالسياسة بشكل متعمد.

ولفهم هذه المعادلة الدلالية بين ما هو أيديولوجي وما هو سياسي، هناك فروقا بينهما، ويشمل ذلك السينمات التي تظهر فيها الإيديولوجية كشيء ضمني في مقابل السينمات التي تظهر فيها الإيديولوجية بشكل دعائي، كما أن الإطار السياسي يختلف عن المحتوى السياسي.

كمثال بسيط للمعادلة الدلالية كيف أن ظهور ثلاجة ممتلئة بالطعام في فيلم أمريكي، من الممكن أن يراها المشاهد السوفيتي كنوع من الدعاية السياسية، فإن ملء الثلاجة يشير إلى الوفرة الرأسمالية في مقابل سياسة التقشف الشيوعية، هذا المثال يوضح ما يقصد بالإيديولوجية الضمنية، هذه الأخيرة تظهر بشكل عفوي عرضاني ولا يمكن أن ننظر إليها على أنها من الأمور المتعمدة أو أنها دعاية سياسية مع ما يتطلبه ذلك من حذر إبيستيمولوجي.

هذا الاستخدام السياسي والإيديولوجي للسينما جعل النقاد والباحثين يؤسسون لها إطارا مفاهيمي سُمي بسينما الدعاية، هذه الأخيرة تعود إلى حوالي 80 عاما فقد عمل السياسيون على توظيف السينما، بعد علمهم المسبق بمدى تأثير الصورة المتحركة وسلطتها على مخيلة المتلقي.

وتعد ليني ريفنستال المؤسسة الفعلية “لسينما الدعاية” ذالك من خلال خدمتها للأجندة النازية عبر أعمالها السينمائية، ففي ذلك الوقت، كان مصطلح الدعاية السياسية قريبا جدا من الترويج أو الدعاية.

تظهر كذلك إمكانات عدة تقدم التكنيك السينمائي المستخدم في إخراج الفيلم السينمائي للتنظير السياسي، من حيث إمكانات تأويل تلك الأساليب الفنية في التعبير، وتوظيفها لتفسير وتجسيد الإشكاليات السياسية، والترميزات الحاملة لمعانٍ باطنة أكثر عمقًا ونفاذًا من الدلالات الظاهرة.

على سبيل المثال، استخدام تكنيك اللقطة المقربة «close-up» التي اخترعها المخرج الأمريكي د. و. جريفييث، وطريقة الإدماج «Interpolation» التي اكتشفها الروس والمسماة بالقطع القصير «short-cutting» التي من خلالها يتم خلق أسلوب تعبيري للفيلم يأخذ طابعًا ثوريًا من حيث القدرة على التعبير عن الاضطراب، والإيقاعات العصبية، والسرعات المتصاعدة، ونقل تأثيرات للمشاهد يستحيل التعبير عنها بمثل ذاك التأثير في الفنون الأخرى.

لا ينحصر ذلك الطابع الثوري في هذا التكنيك أو ذاك، وإنما فيما يمكن تسميته باللغة التي تستخدمها السينما لتقديم رسالتها، حيث لا تقدم مباشرة ظواهر عالم متجانس في موضوعاته، وإنما تتناول عناصر غير متجانسة لذلك الواقع، وتجمع بين حقائق متباينة ومتناقضة ومحاولة التوحيد بينها من خلال تجاوز واعٍ لهذا الواقع. ومثال ذلك ما قام به المخرج إيزنتشتاين في فيلمه «المدمرة بوتمكين»، حيث عرض تعاقبًا لظاهرتين متباينتين، إحداهما روحية والأخرى مادية، والجمع بينهما في إيحاء بأن إحداهما تصدر عن الأخرى.

يتم كذلك استخدام أساليب المونتاج للتعبير الفني المباشر عن المواقف الاجتماعية التاريخية ذات الطابع الأيديولوجي، وتعد الأفلام الروسية أبرز النماذج في إجادة استخدام السينما كأداة أيديولوجية ودعائية، مثل دلالة استخدام أحذية قوية وجديدة للدلالة على القوة العسكرية الوحشية والباطشة، أو استخدام صديري مغطى بالنياشين للدلالة على أهمية الآلية الحربية؛ فالجماهير المنتصرة ما هي إلا تجسيد للآلة المنتصرة، فالإنسان بأفكاره وإيمانه وأمله مجرد عنصر معتمد على العالم المادي الذي يعيش فيه. وعليه فإن نظرية المادية التاريخية هي المبدأ الشكلي للفن السينمائي الروسي.

بالعودة إلى العشرين سنة الأخيرة يمكن ملاحظة العديد من المتغيرات على الأسلوب الدعائي السينمائي، سواء من ناحية ثيمة العمل أو من ناحية الخطاب الدلالي المكثف والمتكرر، وحتى من خلال عمق الصورة السينمائية، لكن بقيت مرتبطة بالحرب وفلكها كواحدة من الاتجاهات الأكثر استخداما في الثقافة السينمائية الغربية، وكنماذج للعديد من الأفلام الدعائية ذات البعد التواصلي التسويقي نقدم فيلميNO لي بابلو لاراين وWag The Dog لـ “بيري لفنسون” كنموذجين يظهر من خلالهما وسائل التسويق السياسي. الأول من خلال ملاحظة للأسلوب التسويقي لدولة ومعارضيها، والثاني من خلال فهم أسلوب تدبير الأزمة وكيف يمكن تحقيق الفوز السياسي ولو بعوائق تحول دون نجاح الفاعل السياسي.

‏Wag The Dog لبيري لفنسون استند على رواية “البطل الامريكي American Hero لـ”لاري بنهارت Larry Beinhart والتي صدرت عام 1993، وينطلق الفيلم بالسؤال عن حيثيات الفضيحة الأخلاقية التي تورط فيها الرئيس ومكان تواجده، ليتحول بنا الفيلم للبحث في الكيفية المثلى لشغل الناس عن الفضيحة، بصرف انتباه الناس لأسبوعين حتى الانتخابات. ليأتي الحل عبر الدخول في حرب وهمية واختلاقها على المقاس لصناعة بطل يلهم الجمهور وينسيه في رئيسه.

ليفنسون بدأ الفيلم بطرح سؤال: لماذا الكلب يهز ذيله؟ فلو أن الذيل كان أذكي من الكلب، لهز الذيل الكلب والمقصود بهذا المشهد الرمزي أنه بإمكانك إذا كنت ذكيا أن تقلب الحقائق وتظهرها للناس على غير ما هي.

يستفاد من الفيلم أنه يسلط الضوء على البعد التسويقي الخداعي كسلوك للفاعل السياسي من خلال ثلاث مشاهد أساسية في الفيلم، المشهد الأول حول الفتاة التائهة – الخائفة وسط خراب الحرب، وبيدها قط أبيض، وكان الهدف هو حقن الرأي العام بمعطيات عاطفية تؤثر على قراره وتقديره للموقف.

#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة