الرئيسيةمقالات العدلعبدالعني الحايسالحقائق الخفية في تسريب عبدالناصر

الحقائق الخفية في تسريب عبدالناصر

عبدالغني الحايس يكتب:

جمال عبدالناصر تمتع بشعبية طاغية بين الشعوب العربية والأفريقية، وزادت شعبيته بعد تأميم قناة السويس، ومواجهته العدوان الثلاثي مما جعل منه زعيمًا عالميًا.

كذلك دوره في منظمة دول عدم الانحياز، وعدم انصياعه لأي إملاءات خارجية، وهنا أتذكر قول وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عندما قال: إن عبدالناصر بلا زلة، وبلا خطيئة ويصعب السيطرة عليه.

وفقد عبدالناصر كل تلك الشعبية بعد نكسة يونيو 1967، فقد كانت الهزيمة مريرة وقاسية، وضربة قاصمة لعبدالناصر شخصيًا قبل الدول العربية، وانتهت النكسة باحتلال شبه جزيرة سيناء بمصر، والجولان بسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وخسائر فادحة في الأرواح والمعدات العسكرية، غير الخسائر الاقتصادية.

خرج عبدالناصر منكسرا بعدها بخطاب التنحي، فخرجت الجماهير العربية والشعب المصري في الشوارع تثنيه عن التنحي.

بالأمس استمعت بإنصات شديد إلى الخطاب المسرب بين عبدالناصر والقذافي، والذي يعكس تغييرًا كبيرًا في فكر عبدالناصر بعد الهزيمة، سمعت صوت العقل والمنطق، وليس عبدالناصر المنفعل دائمًا، يهين ملكة إنجلترا، ورئيس وزرائها، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ويعلن قذف إسرائيل في البحر، وخلافات علنية مع الملك فيصل ملك السعودية، وبعض القادة العرب، وعلاقات مضطربة مع أوروبا كلها وخصوصًا فرنسا وبريطانيا.

أدركت في التسريب أن عبدالناصر قبل هزيمة يونيو، هو عبدالناصر آخر تمامًا، أصبح سياسيًا يجيد تناول الأمور بكل عقلانية وهدوء، وهذا ما جعله يوجه غالبية طاقته إلى إعادة هيكلة القوات المسلحة، والشروع في إزالة آثار العدوان وعودة الأرض المسلوبة.

فدخل حرب الاستنزاف التي كبدت العدو خسائر فادحة، وفي المقابل يعلم مدى التضحيات التي تقدمها قواته المسلحة والشعب المصري، لذلك قبل مبادرة روجرز بوقف القتال عندما تم عرضها عليه، وهو تحول خطير في سياسته، إنه بدأ في الإنصات، وإدراك ما يجب أن يفعل وما لا يجب أن يفعل، مقدرًا حجم قوته، واستعداده وتخطيطه للمعركة الكبرى، وأنه يريد استكمال بناء جيشه وتسليحه، وتعامل مع الواقع بكل محيطه، لا يشغله شيء سوى عودة الأرض.

كذلك تنازل عبدالناصر عن حلمه القومي والعروبي، فعادت قواته من اليمن، وعاد عبدالمنعم رياض من الأردن كقائد للقوات العربية، وبدا لي أن عبدالناصر يشعر بالغصة والألم بل والندم في حديثه مع القذافي، من المزايدات والهجوم المستمر على شخصه من بعض الدول العربية.

وواضح في نبرة صوته الألم فهو يعلم جيدًا خطاياه، وأن نكسة يونيو كانت قاسية، وأنه اتخذ خطوات تقوده إلى تلك الهزيمة، فهو من دعم حركات التحرر العربي والأفريقي فأهمل الداخل المصري، وأرسل قواته إلى الكونغو واليمن والجزائر وغيرها من الدول.

هو من ورطنا في الحرب بانفعالاته وقراراته غير المدروسة، بل هو من نسي أنه بعد انسحاب 1956 وقع اتفاقًا بضرورة حرية الملاحة لإسرائيل وعبور بضائعها على سفن غير إسرائيلية، والسماح بقوات دولية في سيناء، ورغم ذلك أغلق المضايق في وجه إسرائيل (مضيق تيران)، وطلب سحب قوات الأمم المتحدة، وحشد قواته في سيناء، كلها أمور اعتبرتها إسرائيل إعلان حرب عليها.

هو من تغافل عن الصراع بين رجال المشير ورجاله وترك الجيش بلا تدريب ولا تأهيل.

هو من أصر أن نتلقى الضربة الأولى، ولم ينصاع لكلام صدقي الذي أكد له لو تلقينا الضربة الأولى لخسرنا 80% من قواتنا وعتادنا، وهو من غرر به عبدالحكيم عامر وأكد له جاهزية قواته المسلحة عندما قال له حكيم عند سؤاله هل أنت مستعد للحرب فقال له: برقبتي يا ريس، فكانت النتيجة هزيمة قاسية، خسرنا فيها كل قواتنا الجوية، بل والمعركة قبل أن تبدأ، برغم أن إسرائيل كانت تحارب في ثلاث جبهات: الجبهة المصرية، والسورية، والأردنية، واستطاعت في ضربات جوية متتالية القضاء على الطيران المصري، وضرب مطارات في الأردن وسوريا.

ناهيك عن الوضع الداخلي المتردي اقتصاديًا، وفتح المعتقلات والسجون لكل من يتجرأ بالنقد، أو يتظاهر، وطالب بممارسة الديمقراطية، المهم أن كل تركيزه كان في المعركة القادمة، المعركة التي وئدت معها كل إصلاح في الداخل، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة وإزالة آثار العدوان.

لكن واضح أن عبدالناصر فهم بعد النكسة أن النعرات الصوتية تذهب مع الريح، وأن موقف مصر واضح من القضية الفلسطينية، وأن المزايدات من بعض القادة العرب لكسب صف شعوبهم هي نوع من الكذب والتضليل، وأن خيوط اللعبة كما فهمها السادات أيضًا بعد ذلك في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية، وأننا لن نستطيع مجابهة أمريكا ولا محاربتها وهي تدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا وتدافع عن مصالحها باستماتة.

وليس معنى ذلك أنه يهرب من المواجهة فقد كان يستعد لها بكل طاقته، من التدريب والتأهيل والتسليح والتخطيط، وأنه لا محالة سيدخل المعركة بكل تأكيد، إنما التشكيك في أنه سيترك الأمر كما هو عليه لن يحدث، فشخصية ناصر الصعيدية لن تهدأ إلا بعد الثأر، لكنه يريد الجاهزية لأن أي انكسار آخر معناه نهاية المنطقة كلها وليس مصر.

وكما هو واضح لنا الآن منذ أحداث السابع من أكتوبر، وموقف القادة العرب هو الشجب والإدانة، واجتماعات جامعة الدول العربية لا تخرج بشيء جدي يخدم القضية، برغم أن مصر تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأساسية، وموقف الدولة المصرية المشرف برفض التهجير بكافة أشكاله، ورفض تصفية القضية الفلسطينية، وفتحها معبر رفح طوال الوقت لدخول المساعدات الإنسانية، ومشاركتها التفاوضية لإنهاء الحرب في غزة، ومشروعها لإعادة الإعمار، ورغم كل ما تقدمه مصر لدعم القضية ستجد أن هناك مزايدات مستمرة علينا، ومحاولة جرنا إلى الحرب.

عبدالناصر يتكلم وكأنه يحكي ما يحدث اليوم، لكنه لا يعلم مدى التدهور في الوضع العربي الآن، من نزاع في السودان، وخلافات طائفية في العراق، وصراع في اليمن، وأن الوضع في ليبيا وسوريا ولبنان في أسوأ حالاته، وانقسام في الصومال، وهناك من دخل في علاقات تطبيع مباشرة مع إسرائيل، فالوطن العربي في ترهل مستدام.

وكانت نفس النغمة ترددت أيام مبارك مما جعله يقول كما قال عبدالناصر والسادات في التسجيل الصوتي، الطريق مفتوح لمن يريد أن يحرر القدس، فيذهب ليحررها ونحن سوف نساعده ونحييه، لكن كفانا مزايدات على مصر والمصريين.

قد يفهم البعض تسريب عبدالناصر في ذلك الوقت إلى حالة من التسليم بطبيعة الحال، والواقع المفروض علينا، ولكننا نؤكد أننا في حرب أكتوبر فرضنا بإرادتنا واقعًا جديدًا، واستطعنا استرداد أرضنا كاملة.

وأنا شخصيًا كتبت كثيرًا بضرورة أن يكون هناك موقف عربي موحد، وأن يتم استخدام كافة وسائل الضغط المتاحة في أيديهم، وهي كثيرة ومؤثرة، وأن الإدانة والشجب عن الانتهاكات الإسرائيلية ليس كافيًا، يجب استخدام الضغوط الاقتصادية، والعلاقات الدبلوماسية للعرب مع دول العالم، للتأثير لتغيير موقفها وتوضيح حقائق الأمور وتكذيب مزاعم الإسرائيليين، وتستطيع الدول العربية من خلال استثماراتها في أمريكا والدول الأوروبية أن تشكل لوبي ضغط حقيقي للانصياع إلى قراراتها، واللجوء إلى المنظمات الأممية والحقوقية والقضائية، لعرض الانتهاكات والمجازر الصهيونية، للضغط لوقف القتال والوصول إلى الحل السلمي بالاعتراف بدولة فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية.

وأخيرًا علينا أن نعلم كما ذكر عبدالناصر في التسجيل أن خيوط اللعبة كلها في أيدي الولايات المتحدة الأمريكية، فهل نستطيع مواجهة أمريكا أو الدخول ضدها في حرب؟ كنت أتمنى أن يكون السياق كاملًا ومعرفة توقيت التسجيل وملابساته، وألا يكون هناك أي اجتزاء، لكن المنطق هو استخدام العقل لرسم صورة للمشهد بشكل واقعي، وكثيرًا ما تغضب الحقيقة الحنجوريين.

نحن لا نريد حربًا وأن يتم التسوية بالطرق السلمية، ولكن إن كتبت الحرب علينا فلن نتراجع، فنحن من حارب في أكتوبر وفرض نصره العسكري، وحطم غرور العدو وكسر كبرياءه، ونحن المصريون من أعاد أرضنا المغتصبة بالدم.

ولن نسمح مطلقًا بانتهاك سيادتنا، والمساس بأمننا القومي، ولن نتنازل عن مساندة شعبنا الفلسطيني لتحقيق سيادته على أرضه.

وأنا ضد التطبيع بلا مقابل، ومع السلام القائم على العدل، وأن الوصول إلى حل الدولتين يستطيع أن يصنعه العرب لو اجتمعوا واتفقوا، وكانوا يدًا واحدة بشكل حقيقي اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وفي كافة المجالات، لكن للأسف لن يجتمعوا ولن يتفقوا سوى على الشجب والإدانة والخطب الرنانة.

حفظ الله مصر وشعبها.

إنضم الآن إلى #حزب_العدل
املئ الاستمارة من هنا
https://eladlparty.com/انضم-الي-الحزب

#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏تحتوي على النص '‏أقلام عدلاية عبدالغني الحايس يكتب: الحقائق الخفية في تسريب عبدالناصر مساعد رئيس حزب العدل للاتصال السياسي fOxo eladlpar eladlparty.com حزب العدل‏'‏‏

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة