شيماء حسن| تكتب:
في سابقة لم تحدث منذ عقود، اعلن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في 29مايو الماضي واثناء زيارة السلطان هيثم بن طارق لطهران ترحيبه باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وفي وقت سابق ، اعرب وزير الخارجية الإيراني “امير حسين عبد اللهيان” عن امله في تعزيز العلاقات مع القاهرة، وخلال الفترة الماضية، منحت وزارة السياحة المصرية امتيازات وتأشيرات دخول للسياح الإيرانيين القادمين الى مصر في اطار رؤية الدولة المصرية التشجيعية لقطاع السياحة وقد كان هذا الامتياز لحوالي 8 جنسيات من بينهم الإيرانيين وهي الخطوة التي تثير التساؤل الاتي: ما هي خلفيات التقارب الإيراني المصري؟ و لماذا أقدم الطرفان على هذه الخطوات بعد عقود من القطيعة الدبلوماسية بينهما؟ ، والى أي مدى يمكن ان يصل مستوى التنسيق بين الجانبيين ؟
*خطوات محسوبة …
في الواقع فقد بدأت ارهاصات التقارب المصري الإيراني في وقت مبكر، اذ بدأت بفتح قنوات حوار استكشافية بين الجانبين لاستطلاع وجهتي النظر حول ابرز الملفات التي يمكن ان تجمعهم وعلى هذا المستوى فقد جاءت زيارة احد مسئولي الاستخبارات الإيرانية للقاهرة في يوليو 2021 وكان الهدف الأساسي من هذه الجولة هو استكشاف إمكانيات تحسين العلاقات الثنائية العلاقات ووضع استراتيجيات تهدف إلى منع أي احتمال سوء الفهم أو الاشتباكات المتعلقة بالقضايا الإقليمية، وخلال يوليو 2022 اثناء زيارة الرئيس المصري لسلطنة عمان فقد تقابل المسئولين المصرين والإيرانيين في تلك الاثناء ، ثم تبعتها زيارة أخرى -غير معلن عنها-بالقاهرة في نوفمبر 2022 لمسئول جهاز الاستخبارات الإيراني ونظيرة المصري عباس كامل اثناء انعقاد مؤتمر كوب 27 بشرم الشيخ .
ويبدو ان الطرفان بشكل او باخر قد اتفقا على الاستمرار في هذا المسعى، وقد تم تكليل تلك الجهود بزيارة السلطان هيثم بن طارق لجمهورية مصر العربية ومن بعدها الى زيارة ايران ومقابلة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وهي تلك الزيارات التي اسفرت بالنهاية عن نقل رغبه مصر في استئناف العلاقات مع ايران واستكمال تطبيع العلاقات مع السعودية الإيرانية.
وخلال تلك الفترة تجنب الجانبين أي تصعيد اعلامي يمكن ان يؤثر على سير الخطوات التقريبية وأيضا اتخاذ عدة خطوات في سبيل تطبيع العلاقات بين الجانبين مثل منح تأشيرات دخول للسياح الإيرانيين، دعوة ايران للمشاركة في مؤتمر المناخ 27، تنظيم الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة الإيرانية بمقر السفير الإيراني وسط حضور سياسي واعلامي ، وبالإضافة الى التصريحات الإيرانية سواء على لسان المسئولين الإيرانيين البرلمانيين او حتى الصادرة مؤخراً من جانب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “الخوميني” .
*وساطات عربية.. وارادة سياسية.
ويمكن القول ان التقارب بين الجانبين جاء بوساطة عمانية مدعومة برعاية عراقية في ظل العلاقات المتميزة بين العراق ومصر من جهة-اجتماعات مارس بغداد 2023 – و العلاقات المتطورة بين مصر وسلطنة عمان من جهة أخرى ، كما تأتي تلك التطورات في ظل التحولات الايجابية الذي تشهدها القاهرة في علاقاتها الخارجية وتماشياً مع التغييرات الإقليمية التي تتجه ناحية التهدئة والتقارب مع القوى الإقليمية غير العربية مثل ايران وتركيا وفي ظل رغبة عربية وإقليمية لحلحلة الازمات في سوريا والعراق والأراضي الفلسطينية واليمن و قطع الطريق امام انشاء أي تحالف إقليمي ضد ايران في البحر الأحمر ومضيق باب المندب .
- فرص….. وتحديات.
بشكل عام لا يمكن الحديث عن أي تقارب بين الجانبين بوساطة عمانية الا اذ أدركت الأخيرة ان هناك رغبه مسبقه منهما وبالتالي جاءت التحركات كما سبقت الإشارة اليها، وبالطبع فان لهذا التقارب بعض الفرص والتحديات التي يمكن ان تواجهها الدولتان خاصة وانها كانت لعقود طويلة تشهد قطيعة بين الجانبين.
في الواقع فان هناك عدة ملفات يتشارك فيها الجانبين المصالح أبرزها الملف الاقتصادي فمن جهة تحاول طهران فك العزلة المفروضة عليها دوليا من خلال تطبيع علاقاتها الإقليمية ومن جهة تحاول القاهرة التخلص من الأعباء الاقتصادية التي عانت منها منذ فترة جائحة كورونا واثار الحرب الروسية الأوكرانية وضغوط سداد المستحقات الخارجية، من جهة أخرى تسعى القاهرة للاستفادة في ملف السياحة وأيضا دخول السوق الإيراني، وقد يكون هناك اتفاق بشكل ما لتنسيق المواقف فيما يخص مشروعات إعادة الاعمار سواء في سوريا او العراق.
وعلى المستوى السياسي فيسعى الجانبان لتأمين المرور عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وتجنيب أي صدامات يمكن ان تحدث في المستقبل خاصة وان القاهرة قد عضو القوة (CTF-153) ) لقيادة البحر الأحمر والمخصصة لمواجهة التهديدات الأمنية غير التقليدية (تهريب الأسلحة والبشر المخدرات والإرهاب والقرصنة).
وعلى المستوى الدبلوماسي تسعى القاهرة الى ان تكون وسيط موثوق به سواء في الملف اليمني او فيما يخص الأوضاع في الأراضي المحتلة الفلسطينية خاصة وان ايران لها علاقات قوية بالفصائل الفلسطينية سواء في قطاع غزة او في الضفة الغربية كما ان القاهرة تسعى الى إرساء الاستقرار و تثبيت السلام والمصالحة بين الفصائل الفلسطينية وبالطبع فهي بحاجة لتفاهم بشكل ما مع الجانب الإيراني، ويمكن اعتبار العملية الأخيرة التي قامت بها إسرائيل واقتحامها مخيم جنين لاستئصال فصائل المقاومة الفلسطينية المدعومة إيرانيا-بحسب الرؤية الإسرائيلية- وتدخل القاهرة كوسيط لوقف التصعيد خير مثال على ذلك .
وبغض النظر عن تلك المنافع التي يمكن ان تتحقق فان كلا الطرفان يتمتعان بعلاقات جيدة ان لم تكن استراتيجية خاصة في الحالة الإيرانية مع كلا من روسيا والصين وهو ما يعزز قدرتهما على المناورة مع الغرب والسعي للتخلص من الهيمنة الغربية وفي تلك الحالة لابد من الإشارة الى طلب مصر وايران الالتحاق بتكتل البريكس ومنظمة شنغهاي .
واما فيما يخص العقبات التي يمكن ان يواجها الطرفان فهي في نفسها نابعة من الفرص سالفه الذكر، فمن المعروف ان كلا الطرفان يعتبران قوى إقليمية تطمح كل منهما في دور إقليمي في المنطقة مع وجود مشاريع أخرى سواء عربية او غير عربية، كما انه من البديهي معرفة ان علاقات ايران بالفصائل الفلسطينية يمكن ان تؤثر بشكل او باخر بالطرح والرؤية المصرية للأوضاع وطبيعتها في الأراضي الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة أيضا تعتبر عامل اخر يقوض تلك العلاقات المتنامية، الا ان الثابت ان الملف الأهم والذي يهم الطرفان هو الوضع في البحر الأحمر وباب المندب خاصة وان الحوارات الأولية قد اوشت بان طهران حاولت ان تراعي مخاوف القاهرة في تلك المسألة ،وأخيرا تحالفات الجانب المصري بدول الخليج والتي على الرغم من اطلاعها على ما يجري الا انه لم تصدر أي تصريحات ترحب بتلك الخطوات على غرار التصريحات التي تم رصدها في اعقاب الإعلان عن التقارب المصري التركي.
و اجمالاً، فان التقارب المصري الإيراني يأتي في ظل أوضاع إقليمية ودولية متباينة وان معالجة تلك العلاقات تحتاج قدراً كبيرا من الحكمة ومراعاه المصالح القومية وبما لا يخل بالتحالفات التقليدية خاصة في ظل تصاعد التهديدات غير التقليدية في منطقة حساسة مثل مدخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب واللذين يؤثران بشكل كبير على حركة الملاحة الدولية كما انه من السابق لأوانه التكهن بمسارات هذا التقارب وهو ما يجعلنا ننتظر لنرى ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.
#حزب_العدل