تمثل تجربة زراعة القطن في جنوب سيناء خطوة فارقة تفتح آفاقًا جديدة أمام التنمية الزراعية في مصر. فالقطن، الذي ظل طويلًا رمزًا اقتصاديًا وسياسيًا، يعيد تقديم نفسه هذه المرة في بيئة غير مألوفة كصحراء مدينة الطور، ليؤكد أن الأرض المصرية قادرة على الإبداع حتى خارج دلتا النيل التي اعتدنا ربط هذا المحصول بها.
إن نجاح التجربة لا يقتصر على الجانب الزراعي فقط، بل يتجاوز ذلك ليحمل أبعادًا استراتيجية متعددة. فمن الناحية البيئية، تسهم زراعة القطن في الصحراء في تخفيف الضغط عن الأراضي الزراعية التقليدية بالدلتا، وتفتح المجال أمام توسيع الرقعة الزراعية لمواجهة تحديات الزيادة السكانية والتمدن. أما من الناحية الاقتصادية، فإن توفير خامات محلية لصناعة الغزل والنسيج يقلل من فاتورة الاستيراد، ويزيد من القدرة التصديرية، ما ينعكس بشكل مباشر على ميزان التجارة وعوائد الدولة من العملة الصعبة.
وعلى المستوى الاجتماعي، توفر هذه التجربة فرص عمل متنوعة للمجتمعات المحلية في سيناء، سواء في مراحل الزراعة والإدارة أو في التصنيع والتسويق، كما تسهم في دمج أبناء القبائل البدوية ضمن مشروعات إنتاجية تعزز استقرارهم وتدعم توطينهم في أرضهم.
ولا يمكن إغفال الجانب العلمي والتقني لهذا الإنجاز؛ إذ استلزم تطوير أصناف جديدة تتحمل درجات الحرارة المرتفعة والجفاف، إلى جانب اعتماد تقنيات متقدمة في الري والتسميد. هذه الابتكارات لا تقتصر فائدتها على سيناء وحدها، بل يمكن تعميمها في مناطق أخرى داخل مصر، بل وتصديرها كخبرة للدول التي تواجه ظروفًا مناخية مشابهة.
مع ذلك، تظل هناك تحديات يجب التعامل معها بجدية، مثل ارتفاع تكاليف الري بالتنقيط والأسمدة، وحاجة الأراضي الرملية لمتابعة دقيقة لمستويات التربة والمياه. كما أن التدريب المستمر والإشراف العلمي يمثلان شرطين أساسيين لضمان استدامة التجربة ونجاحها على المدى الطويل.
في المحصلة، لا تُعد زراعة القطن في جنوب سيناء مجرد تجربة زراعية، بل هي مشروع تنموي متكامل يجمع بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وإذا كُتب لهذه التجربة الاستمرار والانتشار، فإن جنوب سيناء قد تتحول إلى مركز جديد للذهب الأبيض المصري، بما يعيد لمصر مكانتها الزراعية والصناعية، ويحيي مجد قطنها التاريخي.
#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل
