الرئيسيةUncategorizedمحمد ناصر يكتب: عبد المنعم بين شجاعة القرار وثقل الرمز.. الإصلاح حين...

محمد ناصر يكتب: عبد المنعم بين شجاعة القرار وثقل الرمز.. الإصلاح حين يختبر نفسه في الميدان

في لحظة من لحظات الصمت التي تسبق التحولات الكبرى، اتخذ عبد المنعم، رئيس حزب العدل، قرارًا لا يشبه سواه.

ترك المقعد المضمون على القوائم الانتخابية، وفضّل أن يخوض غمار المنافسة على النظام الفردي في دوائر القاهرة الجديدة والشروق وبدر — دوائر المدينة الحديثة التي تعكس صورة مصر الجديدة، بتوازناتها الدقيقة بين الثراء الطموح والقلق الاجتماعي، وبين الوعي السياسي المتنامي وحذر المشاركة.

قد يبدو القرار، في ظاهره، مجازفة انتخابية. لكنه في عمقه موقف سياسي بامتياز.

فعبد المنعم لم يسعَ إلى مقعدٍ مضمونٍ بقدر ما أراد أن يضع الإصلاح نفسه في مواجهة الشارع، وجهًا لوجه، دون وسائط أو ضمانات.

لقد أراد أن يختبر معنى أن تكون المعارضة قريبة من الناس لا من البيانات، وأن تكون المشاركة في الانتخابات شهادة على الإيمان بالديمقراطية لا مجرد أداة للمكاسب.

بهذه الخطوة، أراد رئيس حزب العدل أن يحوّل معركته الانتخابية إلى استفتاء صادق على وعي الشارع المصري: هل ما زال هناك مكانٌ لصوتٍ ثالث لا يصفّق ولا يصرخ؟ وهل ما زال الإصلاح ممكنًا في زمنٍ تميل فيه الموازين إلى الاستقرار أكثر مما تميل إلى التغيير؟

لكن السياسة — كما يعرفها التاريخ — لا تكافئ النوايا الطيبة إلا بثمنٍ من الصبر والخسارة أحيانًا.

فعبد المنعم، في نهاية الأمر، ليس مرشحًا عاديًا، بل هو الرمز الأبرز لحزب العدل، ووجهه الإصلاحي الأوضح.

ومن ثم، فإن خسارته — إن حدثت — لن تكون خسارة شخص، بل اختبارًا لمدى صلابة الحزب في مواجهة النتائج، وقدرته على الاستمرار في الدفاع عن مشروعه الإصلاحي مهما تبدلت الظروف.

ولعل ما يُكسب هذه الخطوة معناها الأعمق هو أنها تأتي امتدادًا لتقليدٍ سياسيٍ عريقٍ في مصر، حين كان بعض رجال الدولة والمعارضة على السواء يتركون المكاتب والصفقات، وينزلون إلى الشارع ليقيسوا ثقة الناس بأنفسهم.

منذ بدايات الحياة النيابية وحتى عقود ما بعد يوليو، ظل النزول إلى الانتخابات الفردية مقياسًا لشجاعة السياسي، لأنه يختبر الفكرة لا فقط صاحبها، ويقيس الشرعية لا بعدد الأصوات، بل بمدى صدق الصلة بين المبدأ والجمهور.

إن قرار عبد المنعم يعيد إلى الذاكرة تلك المدرسة القديمة في السياسة، التي ترى أن المعركة الحقيقية ليست على المقاعد بل على المعنى؛

وأن الإصلاح، في صورته الأصدق، لا يُصنع بالتحالفات، بل بالمواجهة الهادئة مع الواقع، وبالإيمان أن الكلمة حين تصدق، قد تهزم الضجيج ولو إلى حين.

قد يربح عبد المنعم المعركة وقد يخسرها، لكن المؤكد أنه أعاد للحياة السياسية المصرية بعضًا من معناها الغائب.

فحين يقرر رئيس حزبٍ إصلاحي أن يترك طريق الأمان، ويخوض المجهول باختياره، فهو لا يطلب سلطة، بل يعلن عن ضميرٍ سياسيٍّ حيٍّ يرفض أن يكون شاهدًا صامتًا على الركود.

كلمة أخيرة

ربما لا يُقاس أثر هذه الخطوة بنتيجتها، بل بما تتركه من أسئلة ضرورية في وجدان السياسة المصرية:

هل ما زال في هذا البلد مكانٌ لصوتٍ عاقلٍ لا يخاصم ولا يُداهن؟

وهل يمكن للإصلاح أن يعيش بين جناحي الدولة والمجتمع دون أن يُسحق بينهما؟

إن ما فعله عبد المنعم، ببساطته وجرأته، هو أنه أيقظ النقاش من جديد، وذكّر الجميع بأن السياسة ليست ميدانًا للمناورة فحسب، بل فضاءٌ للصدق، وامتحانٌ للشجاعة، وميزانٌ لضمير الأمة.

ولعل التاريخ، حين يعود ليكتب سطور هذه المرحلة، سيقف أمام تلك اللحظة فيقول:

هنا، في دوائر القاهرة الجديدة والشروق وبدر، وقف رجلٌ من حزب العدل ليقيس بصدقٍ عمق الفجوة بين السلطة والشارع — لا ليملأها بالكلام، بل ليعبرها بالفعل.

#حزب_العدل#صوت_الطبقة_المتوسطة#العدل_هو_الأمل

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة