حسن الدالي يكتب.. عزيزي القارئ هذه المرة ألا أتحدث بالفصحى طوال المقال، حتى نستطيع الوصول إلى كافة الفئات في فهم أدوات سعر الصرف، فنحن نعلم جيدًا أن العملية الاقتصادية معقدة وتخضع لتوازنات عديدة.
في البداية لابد أن نعلم أنه لا يوجد ما يسمى في علم الاقتصاد بالصواب والخطأ، بل التطبيق الصحيح والتطبيق الخطأ، ولكن يخضع علم الاقتصاد إلى ما يسمى بتكنيك التجربة أو الخبرة السابقة، وبناءًا عليه نقوم بالتطبيق مع مراعاة كافة الأبعاد وموقع الدولة، اسمحلي عزيزي القارئ أن أوضح لك ما يحدث في إدارة عملية “سعر الصرف”.
أولاً: بمنتهى البساطة سعر الصرف يُعرف على أنه النسبة التي يحصل على أساسها مبادلة النقد الأجنبي بالنقد الوطني، والأساس أن سعر صرف العملة يُقاس بقوة الاقتصاد، وهذا يتحدد أو يتم تفسيره بالمعاملات مع العالم الخارجي (ميزان المدفوعات) في الأساس، إضافةً إلى التضخم وبعض العوامل الأخرى.
ثانيًا: أزمة سعر الصرف تُعرف كالآتي:
Too much local currency chasing too few foreign currency
يعني ببساطة الضغط على العملة الأجنبية وعدم توفرها هو أساس أزمة سعر الصرف، وهذا يعود بنا للحديث عن مكونات النقد الأجنبي وأهمية زيادة الصادرات، ومن هنا تكمن أهمية احتياطي النقد الأجنبي في الدفاع عن العملة بخلاف تسديد الدين الخارجي.
والشيء بالشيء يُذكر، الاحتياطيات في معظم الدول المتقدمة أو ذات الفائض تودع في مسارين:
جزء في البنوك المركزية، ودا بيُدار في الخارج زي شراء أذون الخزانة الأمريكية على سبيل المثال.
وجزء في صناديق الثروة السيادية وتقوم بتوجيه استثمارها بصورة أكبر في شراء الأصول الثابتة عشان تغطي الدولة في وقت العجز أو ماويسمى Liquidation of assets to cover the deficit
ثالثًا: يمكننا تقسيم أدوات إدارة سعر الصرف إلى ثلاث أنواع:
- ( التثبيت Stabilization ) يعني أن الدولة ترى سعر مناسب لعملتها مقابل عملة أجنبية أو سلة من العملات وتحافظ على هذا الثبات، وهذا له أبعاد كثيرة سواء اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، وللتوضيح ببساطة تقدر تقول إن الدولة هي اللي بتغطي الفرق بين الطلب والعرض على العملة الأجنبية وهي بتغطي الفارق دا عشان المواطن ميتأثرش ويكون في استقرار سواء للمنتج أو المستهلك – والتثبيت محمود للمستثمرين خاصة عند عمل دراسات الجدوى-، وقصاد دا بتلم هي العملة المحلية لكن بتقع الدولة في مشكلة تخليها مش عارفه تغطي الكمية دي وهي انهيار مصادر الحصول على الدولار زي السياحة أو الاستثمار الأجنبي على سبيل المثال، والأصل في التثبيت أن صادرات الدولة قليلة فالطلب على عملتها قليل والطلب على العملة الأجنبية كبير لكن لو عندها فوائض وقادره على الدفاع عن التثبيت، يعني توفير الدولار عند سعر التثبيت في أي وقت زي السعوديه على سبيل المثال، إذًا تنجح في إدارة التثبيت.
-(التعويم flotation ) ببساطة هو ترك العملة الوطنية لقوى العرض والطلب مقابل العملة الأجنبية لتحديد سعر صرفها، وكلما قل الطلب على عملتك الوطنية زي الجنيه كلما انخفضت قيمته، المفترض أن التعويم – وبالأخص الحر – قمة قوته تظهر لو صادرات الدولة أعلى من الواردات بصورة كبيرة، أو على الأدق، لو عندي فائض في ميزان المدفوعات وبالأخص حساب المعاملات الجارية، لكن بشكل عام ميزة تطبيقه أنه لا يحتاج إلى احتياطي لأن ببساطة مفيش سعر الدولة تدافع عنه بخلاف مزايا تطبيقه في جذب الاستثمارات الأجنبية والـ Hot money، وبيساعد على تقليص دور السوق الموازي Black Market، لأن المُضارب هيجد سعر الصرف واحد في السوقين فيتجه للسوق الرسمي، ولكن في كل الأحوال فاعليته تحتاج سيطرة على التضخم يعني إنتاج أكتر وزيادة صادرات وتقليل الواردات.
- ( المنطقة الرمادية Grey Area ) تعني ببساطة تثبيت أثناء الفائض وتحرير على الاحرى مُدار أثناء العجز كي تكون جذاب للاستثمار الأجنبي والأموال الساخنة وهذة المنطقة يقع بها كثير من الدول النامية ودائمًا ما يتعرض السوق في هذة المنطقة لمشكلة “التقدير الخطأ” يعني ببساطة ترتفع التوقعات بالاستقرار أثناء التثبيت مما يجعل المنتج يبني قراره في الاقتراض مثلًا على تقدير خطأ لأن سرعان ما يعود العجز تاني وترتفع التكاليف المستقبلية على المنتج، والدول غالبًا ما تتبع هذة السياسة المتأرجحة لمحاولة كبح جماح التضخم بالإضافة إلى ضعف الصادرات بخلاف مراعاة البعد الاجتماعي.
يمكنك عزيزي القارئ أن تعتبر هذا المقال صورة توضيحة للمساعدة في فهم الأوضاع القائمة، والجدير بالذكر أن تطبيق السياسات يختلف من دولة إلى أخرى، لكن الذي لا يوجد خلاف حوله في نجاح أي سياسة متبعة، هو الإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج، والدخول ضمن سلاسل القيمة العالمية من خلال توطين صناعة لنا فيها ميزة نسبية، حتى يقل تأثير الاحتياطي بالصدمات الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
- حسن الدالي، اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة.
مساعد أمين شباب حزب العدل.