بالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي تجتاح العالم، بسبب التوترات السياسية في مختلف الدول، والتي أثرت بالتبعية على الاقتصادات الناشئة، ومنها الاقتصاد المصري، سنجد أننا نواجه خطر التضخم، وارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد، حيث بلغت معدلات التضخم في نوفمبر الماضي إلى 19.2% وتكلفة فاتورة الاستيراد تجاوزت 65 مليار دولار، وهو رقم كبير مقارنة بالاحتياطي النقدي الأجنبي.
وفي سابقة هي الأولى منذ سنوات قام البنك المركزي برفع معدلات الفائدة في اجتماع الخميس ١٩/١٢/٢٠٢٢ بواقع 300 نقطة أساس؛ معللاً ذلك كنتيجة لزيادة الضغوط التضخمية، مما يعني مواصلة تشديد السياسة النقدية، فارتفاع معدلات التضخم هو ما دفع البنك المركزي للمضي قدما في رفع أسعار الفائدة مره أخرى، وذلك بعد قيام الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة بواقع نصف في المائة.
وبمراجعة تاريخ اجتماعات لجنة السياسة النقدية منذ بداية عام 2022، نلاحظ قيام البنك المركزي المصري برفع معدلات الفائدة، في أربع اجتماعات مختلفة، بواقع 1% في مارس، ثم 2% في مايو، و2% في أكتوبر ثم أخيراً 3% خلال هذا الشهر، حيث تم زيادة معدلات الفائدة من 8.25% الى 16.25% للإيداع ومن 9.25% إلى 17.25% للإقراض بواقع 8% زيادة خلال عام واحد فقط، وذلك بدافع امتصاص السيولة والسيطرة على معلات التضخم، وبالرغم من تلك الزيادة إلا أن معدلات التضخم ارتفعت من 6.5% في ديسمبر2021 إلى 19.2% في ديسمير 2022.
نستنتج من هذة النتائج أن التضخم بالسوق المصري هو تضخم مستورد، ناتج عن زيادة أسعار الواردات المصرية بسبب انخفاض القوة الشرائية للجنيه المصري، مع ارتفاع أسعار الدولار مقابل معظم عملات الدول، وحيث أن معظم السلع في السوق المصري المستورد والمحلي منها يعتمد على مستلزمات إنتاج من الخارج، وبالتالي فإن تكلفة الإستيراد المُرتفعة تُعد السبب الرئيسي لزيادة معدلات التضخم في السوق المصري.
علينا التنويه أيضاً أن زيادة معدلات الفائدة يؤدي لزيادة أعباء التمويل، حيث أن كل زيادة 1% تكلف خزينة الدولة ما يقارب 50 مليار جنية خدمة دين، لذلك فإن نسبة 3% هي نسبة مرتفعة، ويصعب استيعابها وتؤدي إلى ارتفاع السيولة بالقطاع المصرفي خصوصاً، وقد سبق ذلك رفع معدلات الفائدة 2% في أكتوبر الماضي، ليكون بذلك إجمالي حصيلة الرفع منذ بداية العام بواقع 8%، مما مما يزيد عجز الموازنة بأكثر من 400 مليار جنيه في العام الواحد.
وبالنظر إلى أحد أهم التجارب الإصلاحية في التاريخ، وهي التجربة البوليفية للإصلاح، والتى تعلمنا البحث خلف الأسباب الحقيقية للأزمات، وعدم الركون إلى التشخيص الظاهري للمرض الاقتصادى، بما قد يتسبب فى وصفة خاطئة تزيد من حدة وأعراض هذا المرض.
كان التضخم الجامح أبرز تحديات بوليفيا إلى جانب الفقر، والذى تراجعت معه قيمة العملة الوطنية “البيزو” أمام الدولار الأمريكى، خلال الفترة من يوليو 1983 إلى يوليو 1985 من 5 آلاف بيزو مقابل الدولار الأمريكى الواحد إلى 2 مليون بيزو للدولار الواحد، التشخيص الدقيق لأسباب التضخم قادت إلى وضع روشتة غير تقليدية لا تقوم على رفع معدلات الفائدة الاسمية، لامتصاص السيولة وكبح التضخم، لكنها قامت على إعادة تسعير المواد البترولية بموازنة الدولة؛ لتعكس التكلفة الفعلية، والتى تعكس العملة المتضخمة عن تقديرها وتتحقق خسائر كبيرة للنشاط الاقتصادى الأهم فى البلاد.
لذا يجب على البنك المركزي استخدام طرق غير تقليدية للسيطرة على التضخم، والحفاظ على الأسعار وذلك من خلال المحافظة على القيمة الشرائية للعملة المصرية، بعيدا عن نظرية ميلتون فريدمان، والتي تبنى فيها “أن التضخم هو ظاهرة نقدية في الأساس بغض النظر عن أسبابه، وأن أفضل طرق معالجته هي رفع أسعار الفائدة لتقليل عرض النقود”، مه العمل على وجود المزيد من التنسيق بين السياستين المالية والنقدية في ظل المجلس التنسيقي بين السياستين المالية والنقدية، لتحقيق التوازن في السوق المصري وعدم العمل بسياسة الجزر المنعزلة فيما بين السياستين.
وأيضاً الحفاظ على استقرار أسعار الفائدة لتحقيق مُعدل فائدة حقيقي للمُدخرين والمتعاملين، بعد استبعاد التضخم وبما يتوازن مع استراتيچية الدولة لرفع معدلات النمو، واحتواء الديون لعدم زيادة أعباء تكلفة خدمة الدين بالموازنة العامة المصرية، والتنسيق مع المؤسسات الدولية للوصول إلى حلول جذرية لدعم أداء الإقتصاد المصري والحفاظ على موقفه للحفاظ على التصنيف الإئتماني للإقتصاد المصري والنظرة المستقبلية المستقرة لعدم الهبوط لنظرة سلبية.
