الرئيسيةمقالات العدلتصاعد النفوذ الصيني في إفريقيا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة

تصاعد النفوذ الصيني في إفريقيا في ظل المتغيرات الدولية الراهنة

تعد القارة الإفريقية واحدة من أكثر المناطق أهمية حول العالم، مما جعلها تحظى باهتمام واسع من مختلف القوى الدولية والإقليمية، ويعد الصعود الصيني المتزايد داخل القارة الإفريقية خلال الفترة الماضية واحد من أهم التطورات في المنطقة، في ظل سعي بكين لوضع موطئ قدم لها في العديد من المناطق الاستراتيجية التي يحتدم التنافس بين القوى الكبرى حولها. مثلت القارة الإفريقية جزءًا من الاستراتيجية الصينية الطامحة نحو تعزيز انتشارها الخارجي في العديد من مناطق النفوذ حول العالم، فمنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية حرصت بكين على أن تضع لها قدمًا في إفريقيا، وحينها كان التركيز الأكبر لها على العلاقات السياسية وليس الاقتصادية، وتجلى ذلك بوضوح في اهتمامها بدعم حركات التحرر الإفريقية. أعقب ذلك نقلة نوعية في العلاقات بين الصين والقارة إفريقية، حيث أضحت المصالح الاقتصادية هي الغالبة مع تزايد حاجة الصين للاستفادة من ثروات وموارد القارة، ومن ثمَّ اتجهت بكين للتوسع في استثماراتها الخارجية بإفريقيا، وبحلول عام 2009، تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري لإفريقيا، وهو ما جعل التنين الصيني أحد أكبر القوى الفاعلة صاحبة النفوذ والمصالح في القارة الإفريقية. وعلى هذا النحو، تسعى هذه الورقة البحثية للإجابة على تساؤل رئيسي، وهو: ما مدي فرص النمو الصيني داخل القارة الإفريقية في ظل التغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة؟ وسوف تستفيض الورقة في الإجابة على هذا التساؤل في ضوء المحاور التالية: المحور الأول: أفاق التعاون الصيني – الإفريقي: المقدمة أولًا: تطور العلاقات الاقتصادية بين الصين وإفريقيا. تطورت العلاقات الصينية – الإفريقية منذ عام 2000، مع تأسيس “منتدى التعاون الصيني الإفريقي” لتعزيز التعاون الاقتصادي وتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية بين بكين وإفريقيا ، والتي نجحت الصين في ترسيخ وتعزيز العلاقات بين الجانبين، وقد أدَّى ذلك إلى تطور التجارة الثنائية بينهما بشكل سريع؛ حيث حقق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا نتائج مثمرة، وحققت الصين في عام 2019 طفرة اقتصادية في القارة الإفريقية؛ حيث تجاوزت حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 200 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل 20 ضعف حجم عام 2000، وبلغ حجم الرصيد الاستثماري الصيني المباشر في إفريقيا 49.1 مليار دولار أمريكي، أي 100 ضعف ما كان عليه في عام 2000، فيما بلغت حجم الاستثمارات الصينية المباشرة 110 مليار دولار أمريكي، واستثمرت أكثر من 3700 شركة صينية في إفريقيا، وبلغت مساهمة بكين في نمو الاقتصاد الإفريقي نحو 20%. وذكر التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا 2021، أن الصين حافظت على مكانتها كأفضل شريك تجاري لإفريقيا في عام 2020، حيث بلغت التجارة الثنائية 187 مليار دولار أمريكي، وسجلت التجارة الثنائية نموًا متزايدًا؛ حيث ارتفعت حجم التجارة بنسبة 40.5 % على أساس سنوي إلى 139.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى. وفي سياق تعزيز التبادل التجاري وتنمية حركة الصادرات والواردات بين الصين وإفريقيا، فمنذ عام 2000 استوردت الصين سلعًا بقيمة 1.2 تريليون دولار أمريكي من أفريقيا، كما صدرت سلعًا بقيمة 1.27 تريليون دولار أمريكي إلى إفريقيا. وفي عام 2019، بلغت صادرات الصين إلى إفريقيا أكثر من 113 مليار دولار، فيما بلغت الواردات الإفريقية إلى الصين نحو 95.5 مليار دولار. وفي عام 2020، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 187 مليار دولار أمريكي؛ حيث بلغت الصادرات الصينية إلى الدول الإفريقية نحو 114.2 مليار دولار، في حين قدرت الواردات الصينية من القارة بنحو 72.7 مليارات دولار . ثالثًا: منتدى التعاون الصيني – الإفريقي. ثانيًا: نمو حركة الصادرات والواردات بين الصين وإفريقيا يعد منتدي التعاون الصيني – الإفريقي(FOCAC) واحد من أهم السياسات الصينية تجاه إفريقيا، وعقد منتدى التعاون في بكين كأول مؤتمر وزاري له في أكتوبر 2000، وشمل أهداف المنتدى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي، وخلق بيئة مواتية للأعمال والتجارة بين الصين وإفريقيا، بمبادرة مشتركة من الجانبين الصيني والأفريقي، وعملت الصين على توفير أموال خاصة لدعم الشركات الصينية الراسخة للاستثمار في البلدان الأفريقية وإلغاء الديون وتعزيز التبادل الطلابي. ويهدف المنتدى إلى تعزيز مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة والتشاور المتكافئ وتعزيز التفاهم وتوسيع التوافق المشترك وتقوية الصداقة ودفع التعاون، ويضم المنتدى في عضويته الصين 53 دولة إفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين ومفوضية الاتحاد الأفريقي، وباتت السياسة الأمنية الصينية إزاء إفريقيا أكثر وضوحًا خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2018، والذي تمخض عنه الدعوة لإنشاء 50 برنامجًا منفصلًا لتعزيز التنسيق الأمني بين الصين وشركائها الأفارقة في جميع أنحاء القارة، مشيرًا إلى أن تعزيز التواجد العسكري الصيني عبر إفريقيا يُعد أمرًا متوقعًا في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، فيما تسعى الصين بتزويد القارة الإفريقية بالمعرفة والتكنولوجيا الحديثة، من خلال توجيه الاستثمارات لتعزيز هذه الامكانيات، كما تسعى الجهود الصينية لتوجيه الاستثمارات في مجال البنية التحتية مثل المطارات والسكك الحديدية والموانئ والطرق والصرف الصحي، لتعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصادات الأفريقية. إلى جانب تعاظم نفوذ بكين الاقتصادي في ربوع القارة السمراء، سعت الصين لتعزيز حضورها العسكرية في إفريقيا عبر إقامة قواعد عسكرية دائمة، ففي عام 2017، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، وبالتدريج أضحت قواتها المشاركة في بعثات حفظ السلام التابعة لمجلس الأمن الدولي (UNSC) تتجاوز عدد قوات جميع الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن الدولي مجتمعين. هذا وأشارت العديد من التقارير إلى احتمالات إنشاء قاعدة عسكرية صينية في غينيا الاستوائية، ويرى البعض أن هذه الخطوة قد تأتي تأسيسًا على إرث الشراكة التنموية بين بكين ومالابو، في حين يرى آخرون أنها بسبب تفاقم ديون البلاد لصالح الصين، والتي قُدِّرت خلال عام 2021، بنحو 49.7% من الناتج المحلي الإجمالي لغينيا الإستوائية، بما يجعل البلاد تحت وطأة النفوذ الصيني، ويجعلها تقبل باستضافة قاعدة عسكرية بحرية صينية على أراضيها. إضافةً إلى ذلك، تعهد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتقديم 100 مليون دولار كمساعدة عسكرية للاتحاد الإفريقي، لدعم إنشاء قوة إفريقية جاهزة، وتعزيز القدرة الإفريقية الاستجابة الفورية للأزمات.. الصعود الصيني في ظل تناقص التواجد الفرنسي والأمريكي في إفريقيا سعت بكين لتنويع أدواتها نفوذها داخل القارة الإفريقية بين الأداتين الاقتصادية والعسكرية، وهو ما منحها نفوذ قوى داخل القارة الإفريقية، لا سيما في ظل اتجاه التواجد الفرنسي نحو التقلص وانسحابها من عدة مناطق بمالي، وتغير سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إفريقيا، وتراجع ترتيبها في أجندة أولوياتها في الوقت الحالي. ولعل هذه التكهنات تستدعي الوقوف على تحليل حقيقة تأثير الحرب الأوكرانية على الدور الصيني تجاه القارة الإفريقية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال التعرف على مدى تأثر المصالح الروسية بالعقوبات الغربية التي فرضت عليها جراء تدخلها في أوكرانيا، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي؛ أولًا: تأثر المصالح الروسية في إفريقيا في ظل العقوبات الغربية؛ تضمنت المصالح الروسية في إفريقيا شقيها العسكري والاقتصادي، فبالنسبة للجانب العسكري، فيبرز في التعاون العسكري مع دول غرب إفريقيا من خلال صفقات الأسلحة، والتواجد الروسي في كل من بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، بالإضافة لمبيعات الأسلحة الروسية في السوق الإفريقية التي بلغت نحو 37.6 وفقًا لإحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أما عن الجانب الاقتصادي فتضمن التعاون في مجال الطاقة، والمعادن النفيسة، وهو ما يشير إلى أن القارة الإفريقية تمثل السوق الفاعلة للجانب الروسي فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، بالإضافة للنفط والغاز الطبيعي، اليورانيوم وغيرها ، لذا فهي شريك واعد وجوهري في استراتيجية الدب الروسي، أما عن تأثر تلك المصالح بالعقوبات الغربية، فرغم عدم وجود بيانات تفيد بذلك حتى الآن، فمن غير المُرجَّح أن تتأثر تلك المصالح بتجميد الأموال الروسية أو حتى حظر النفط والغاز الروسي، والتقييد الغربي على الشركات الروسية المختلفة، بل من المتوقع أن تسعى موسكو لاستغلال الأداة الإفريقية للحد من الآثار السلبية التي قد تلحق باقتصادها في ظل الحرب من جانب، وتخفيف حدة العزلة المفروضة عليها، لذا فهذا الأمر لن يترك للجانب الصيني المجال للتوسع في القرن الإفريقي، بل أنه قد يفرض تحديات على الجانب الصيني والمتمثلة في كيفية الحفاظ على مبادرة الحزام والطريق في ظل التوقعات المحتملة باتجاه روسيا لتعزيز حضورها داخل القارة في مواجهة القطيعة الغربية لتحقيق التعاون المشترك والاستفادة في ظل تلك الأزمة من التواجد الإفريقي. وعلى هذا النحو، لا صحة لما أُثير بشأن شهر العسل الصيني في القارة الإفريقية في ظل الأزمة الأوكرانية بل أن هنالك تحديات قد تؤدي لتحجيم الدور الصيني في القارة الإفريقية. ثانيًا الصمت الصيني وعدم تصويتها ضد روسيا في مجلس الأمن؛ قد تعرض الصين للعديد من الضغوط الدولية جراء موقفها تجاه الأزمة الأوكرانية وعدم التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن لإنهاء الحرب، وقد تنتقل تلك الضغوط إلى مناطق النفوذ الصيني الرئيسية والمتمثلة في القارة الإفريقية، وذلك من خلال مزاحمتها اقتصاديًا من خلال الاستفادة من ثراء القارة النفطي، والمعدني، وتجاريًا من خلال التواجد بكثافة في السوق الإفريقية، والتعاون بين الدول الإفريقية الواعدة اقتصاديًا، وعلى رأس تلك الدول قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية أو دول أوروبا كفرنسا وغيرها. ويخلص مما سبق، أنه لا حديث عن فترة شهر العسل الصيني في القارة الإفريقية في ظل تلك الأزمة بل أن هنالك تحديات قد تؤدي لتحجيم الدور الصيني في القارة الإفريقية، منها ما هو مرتبط بروسيا وأهدافها، ومنها ما هو قد يكون ردًا على التأييد الضمني للعمليات الروسية في أوكرانيا، لذا فالصين أمام مفترق طرق، سيتضح لاحقًا في ظل تلك الأزمة، لذا ما يوصي به الباحث، إلى حتمية الاستفادة من القطعية الغربية لروسيا لتعزيز التعاون الصيني معها في القارة الإفريقية، لضمنا عدم تأثر مصالحها من جانب، ومواجهة التضييق الغربي المحتمل. وفي سياق الأزمة الأوكرانية، هناك منافسة أوروبية صينية في منطقة شمال إفريقيا؛ إذ تنظر دول أوروبا إلى المنطقة على أنها منطقة نفوذ، وتسعى إلى الحفاظ على مصالحها التاريخية بالمنطقة لتحقيق السيطرة والنفوذ السياسي والاقتصادي، لا سيما وأن منطقة شمال إفريقيا ربما تحل لدول أوروبية معضلة الطاقة بعد الغزو الروسي لكييف، بالإضافة إلى أن المنطقة تشكل أهمية كبيرة للاستثمار في مجال الطاقة، وهو ما قد يتعارض مع مبادرة الحزام والطريق بمنطقة شمال إفريقيا. الصين تعين مبعوثًا لمنطقة القرن الإفريقي المحور الثاني: التواجد العسكري الصيني في إفريقيا في إطار المساعي الصينية لتثبيت نفوذها بالمنطقة الإفريقية، وفي محاولة لدعم الجهود المبذولة للتغلب على التحديات الأمنية في القرن الإفريقي، أعلنت بكين تعيين مبعوث خاص لمنطقة القرن الإفريقي، وذلك وفقًا لاستراتيجية جديدة للصين تجاه المنطقة، في ظل حالة التوتر التي تشهدها المنطقة؛ إذ لا يزال القتال مستمر في إثيوبيا بين المعارضة المسلحة الإثيوبية والسلطات الإثيوبية بدعم الحكومة الإريترية، فضلًا عن الأزمة الصومالية وتصاعد وتيرة الخلافات بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء على خلفية تأجيل الانتخابات البرلمانية. وجاء هذا القرار بالتزامن مع الجولة التي يقوم بها زيارة وزير الخارجية الصيني إلى عدة دول من بينها إريتريا، وجزر القمر، وكينيا ؛ حيث أشار إلى أهمية منطقة القرن الإفريقي كما أن وجود مبعوث للصين يمكن أن يقدم الدعم الازم للمنطقة، كما تملك المنطقة العديد من المصالح الصينية، لا سيما القاعدة العسكرية في جيبوتي والتي تقع بين الصومال وإريتريا، وتُعد الصين أيضًا أكبر مستثمر أجنبي مباشر في إثيوبيا، التي يعاني اقتصادها من الإنفاق الهائل على الحرب. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت في وقت سابق عن انتهاء فترة “فيلتمان” كمبعوث أمريكي للقرن الإفريقي، ويتولى السفير “ديفيد ساترفيلد” منصب المبعوث الأمريكي الجديد للقرن الإفريقي، ويُنظر إلى قرار بكين بتعين مبعوث أمريكي للقرن الإفريقي يعتبر تحديًا من جانب الصين للنفوذ الأمريكي بالمنطقة الإفريقي. وفي نهاية مارس الماضي كان المبعوث الصيني للقرن الإفريقي قد قدم مقترحًا من أجل توحيد العملة المستخدمة داخل دول منطقة القرن الإفريقي، مع وضع خطة لإنشاء خطوط سكك حديد وشبكة نقل لربط دول القرن الإفريقي فيما بينهم وإلغاء قيود السفر، وهو ما تراه بكين ضروري لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول وتنشيط حركة التجارة، ومن ثم تعزيز التعاون مع الصين. وختامًا، تمتلك بكين فرصًا قوية لزيادة نفوذها داخل القارة الإفريقية، لا سيما بعد تعيين مبعوث صيني للقارة الإفريقية، فضلًا عن القاعدة العسكرية المحتمل إقامتها في غينيا الاستوائية، إلى جانب القاعدة الصينية المتواجدة في جيبوتي، والحضور الاقتصادي البارز داخل القارة، في مقابل انحسار واضح للنفوذ الغربي. ومن المرجح أن يشكل الانسحاب الفرنسي من إفريقيا ضغطًا على عدة دول إفريقية، لا سيما دول الساحل، التي تسعى للبحث عن شركاء جُدد، لتعويض الفراغ الأمني ومن ثم إعادة خارطة القوى لصالح النفوذ الصيني والروسي باعتبارهم القوى الدولية التي تقدم بديلًا حقيقيًا للقيم الغربية التي اختبر كثيرون زيفها وعدم مصداقيتها. باحث سياسي – متخصص في الشؤؤون الإفريقية فاروق حسين أبو ضيف

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة